قال الدكتور المصطفى ضرفاوي خبير المراعي بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" الفاو" المشرف على مشروع التنمية المستدامة للغابات والمراعي الطبيعية بالمملكة، أن المراعي الطبيعية في المملكة تمتد على مساحات واسعة تقدر ب 146 مليون هكتار وهو ما يعادل 73% من المساحة الكلية للمملكة، حيث لا تزال المراعي مورداً اقتصاديا واجتماعيا وبيئياً هاماً لسكان النظم البيئية الرعوية والمناطق الريفية. ولفت ضرفاوي في حواره مع "الرياض" الى تميز المملكة بتنوع كبير نتيجةً التابين المناخي واختلاف التربة والتضاريس، ومنها المراعي الصحراوية وشبه الصحراوية والسهوب النباتية الخالية من الأشجار والسهوب الشجرية والغابات الجفافية المفتوحة والغابات الجبلية وغابات ضفاف الأودية والروضات والفياض والنباتات الساحلية. *اشتهرت المملكة بما يسمى نظام المحميات في المراعي والبادية منذ القدم، ماهي ملاءمة ذلك في عصرنا الحديث؟ -حتى بداية القرن الماضي كانت تربية الحيوانات على المراعي تعتبر المصدر الرئيسي لتوفير الاحتياجات المعيشية للسكان بالمملكة، وكانت أراضي المراعي تؤمن معظم الاحتياجات الغذائية للثروة الحيوانية، وقد ساد خلال القرون الماضية توازن طبيعي بين أعداد الحيوانات المستأنسة والبرية وبين إنتاج المراعي ساهم في استقراره واستمراره العدد المحدود للسكان والماشية، بالإضافة إلى نمط الرعي الترحالي والإدارة المباشرة من قبل السكان المحليين حسب الأعراف والتجارب المتراكمة، مما ساهم في استدامة هذه الموارد إلى أن وصلت للأجيال الحالية في حالة جيدة، ويعتبر نظام المحميات من أهم أنظمة الرعي التي سادت في شبه الجزيرة العربية، وهو عبارة عن مناطق لها خصائص معينة تتم حمايتها من الرعي والاحتطاب لفترات متباينة لتحافظ على قدراتها الإنتاجية، وتستخدم لأغراض محددة كالرعي أو حصاد الأعشاب في سنوات الجفاف أو تربية النحل وغيرها، وتعتبر المحميات من أكثر الأنظمة كفاءة للمحافظة على الغطاء النباتي الطبيعي وتنميته واستدامة استغلاله، حيث يأخذ هذا النظام في عين الاعتبار الاحتياجات الإنتاجية والمعيشية للسكان، لكن أيضاً حاجة النباتات والأراضي للراحة البيولوجية والاستغلال الرشيد، وقد بينت بعض الدراسات أن عدد المحميات في المملكة تراوح بين 115، ولا يزال عدد يسير منها قائم بشكل جزئي، وكان للمؤسسات القبلية التقليدية، مثل مجلس العشيرة في المملكة كما في غيرها من الدول العربية وحتى بعض الدول غير العربية، دور كبير في الإدارة المستدامة لهذه الموارد وكانت تعتمد في ذلك على التطبيق الجيد للشريعة في الدول الإسلامية والأعراف والقوانين المنظمة لاستغلال هذه الموارد، بحيث تراوحت عقوبات المخالفين بين عزيمة على وجبة عشاء والطرد من القبيلة لمن لم ينته عن مخالفاته. د. المصطفى ضرفاوي *ما هي آثار التغيرات الحديثة في مجتمعنا على المراعي والبادية؟ - نتج عنها بعض التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي طرأت في الدولة وتلك التي طرأت على حياة البادية بسبب تغير الوضع على المستوى الوطني، مشاعة الأراضي الرعوية التي أصبحت مفتوحة للجميع وحتى من الدول المجاورة دون أي تنظيم أو رقيب، وزادت بذلك أعداد الحيوانات عدة أضعاف خلال خمسة عقود، خاصة من قبل المستثمرين الذين لا يزال عدد منهم يحتفظون بفكرة أن المكانة والجاه مرتبطان بحجم القطيع، وزاد من حدة ذلك توفر الأعلاف المدعمة، ووفرة وتدني أجور الرعاة والسائقين الأجانب، وتوفر وسائل النقل والأجهزة الحديثة ووفرة وتدني أسعار الوقود وعدم التطبيق الجيد لنظام المراعي والغابات واعتماد سلوك "انتهز الفرصة قبل غيرك"، كل ذلك بالإضافة إلى معضلة الاحتطاب والتنزه العشوائي والملوث أدى إلى ارتفاع الضغط على الموارد الرعوية وإلى انخفاض المستوى المعيشي للأسر البدوية وإلى انجراف التربة وزيادة العواصف الترابية والتصحر وزحف الرمال والفيضانات المدمرة، ونظراً لكل هذه الضغوط خاصةً الرعي الجائر والاحتطاب الذي لايزال مستمراً رغم الجهود الأخيرة لمحاربته وتوفير البديل المستورد في الأسواق، فإن مراعي المملكة تشهد تدهوراً غير مسبوق ومتواصل حيث تصحرت نسب كبيرة منها، كون العديد من الروضات والفياض تعرت من الطلح والسدر والسمر والعوسج وغيرها ولم يبق فيها إلا الحوليات التي تنمو بعد موسم الأمطار لتخفي بعد بضعة أيام أو أسابيع تاركة وراءها أرضاً تربتها مهيئة لتنقل على شكل عواصف ترابية أو طمي تدمر به السيول المنشآت وتعدم به السدود، ولا شك أن موجات الجفاف، التي هي في الواقع طبيعية إلى حد ما في البيئات الجافة والصحراوية، إلا أن ضررها يكون أكبر في المواقع المتدهورة ذات التربة المتردية والغطاء النباتي المنحسر. أما المراعي الرملية سواء في الدهناء أو النفود الأخرى فهي أصبحت في معظمها مجرد طعوس تبلغ فيها بعضها نسبة موت الأرطى 100%، وكذا الحال بالنسبة للغضا، الذي هو مفخرة أهل عنيزة وغيرها من مناطق النفود، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فخلال بضعة عقود يمكن أن ينقرض الغضا والارطى وكذا الأشجار والشجيرات في الروضات والفياض وتكون الأجيال الحاضرة قد جنت على مستقبل الأجيال القادمة في حقها من هذه الموارد وفي بيئة سليمة. *كيف ترون جهود الدولة لحماية وتنمية المراعي بالمملكة؟ -لا شك أن الدولة عموماً من وزارات وهيئات ومؤسسات وجامعات، ووزارة الزراعة على وجه الخصوص، تبذل جهوداً مهمة سعياً منها وراء وقف تدهور الأراضي الرعوية وإعادة تأهيل ما تدهور منها وتحقيق تنميتها وإدارتها المستدامة من خلال الدراسات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وسن نظام المراعي والغابات ولوائحه التنفيذية، وإعداد مسودة الإستراتيجية والخطة الوطنية للمراعي، وإقامة مسيجات رعوية وتبتير مواقع حساسة، واستزراع بعض أراضي المراعي المتدهورة، وإنشاء أربع محطات لإكثار البذور، وإنشاء مركز للأبحاث في مجال المراعي، إضافة الى التوعية والإرشاد. * هل هناك تعاون بين وزارة الزراعة ومنظمة الفاو في مجال المراعي؟ - بدأ تعاون وزارة الزراعة مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة عموما وفي مجال المراعي على وجه الخصوص بالنسبة للمملكة في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وقد تركز على بناء القدرات والأبحاث التطبيقية والدراسات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالمجتمعات الرعوية، وقد تم في إطار هذا التعاون إنشاء مركز أبحاث الإبل والمراعي بالجوف وتم ابتعاث العديد من حملة الماجستير والدكتوراه في تخصص المراعي بالإضافة إلى تنظيم العديد من الدورات التدريبية، وتم إنشاء مركز إكثار البذور بالجوف وتجميع وإكثار وما يقارب 40 نوعاً من النباتات الرعوية المستخدمة حالياً في تحسين المراعي واستزراعها، بالإضافة إلى تطوير العديد من تقنيات وآليات تحسين التربة والغطاء النباتي، ويجري حالياً التعاون بين الوزارة والمنظمة لإعداد الإستراتيجية والخطة الوطنية للمراعي بالمملكة وذلك في إطار مشروع التنمية المستدامة للغابات والمراعي الطبيعية. * ما هي توصياتكم في مجال إعداد الاستراتيجية الوطنية للمراعي؟ - تعتمد هذه التوصيات على أهم ما توصل إليه فريق إعداد مسودة الإستراتيجية والخطة الوطنية للمراعي، والمشكل من خبراء ومختصين وطنيين ودوليين من جامعة الملك سعود ووزارة الزراعة ومن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والتي تم أثناء إعدادها الأخذ بآراء جهات عدة، حكومية وغير حكومية ومربين وجمعيات وتعاونيات، تمثلت في أهمية اعتماد إستراتيجية وخطة وطنية للمراعي وتوفير الظروف والتشريعات والميزانية الملائمة لتطبيقها والتعاون والتنسيق بين جميع الجهات ذات العلاقة لتطبيقها على الوجه الأكمل، ولابد من إيجاد طريقة للربط بين الإنسان والأرض الرعوية لأن مشاعتها سبب في تدميرها، بالإضافة الى وقف التدهور الخطير المستمر عن طريق وقف أسبابه، خاصة الرعي الجائر والاحتطاب، وأهم ركيزة لذلك هو القيام بالحملات التوعية، وخفض الحمولة الرعوية عن طريق دعم التربية المكثفة واستيراد اللحوم خلال العقود القادمة، والامتناع عن خروج القطعان الاستثمارية للمراعي، والتطبيق المحكم للأنظمة واللوائح لمنع المخالفات ووقف الاحتطاب وتوفير جهاز فعال للحراسة، والإدارة المستدامة للمراعي عن طريق توفير الراحة البيولوجية للنباتات وتحسين المواقع المتدهورة وتوفير البذور والشتلات والآليات الضرورية لذلك، والتطوير المؤسسي وبناء القدرات والعمل على إشراك السكان المحليين والمربين وكل الجهات ذات العلاقة في التخطيط وصنع القرار الخاص بإدارة الأراضي الرعوية، ولا بد من بناء مؤسسات للمربين والجمعيات التعاونيات، ودعمها لتكون مخاطباً جدياً ومؤهلاً للجهات الرسمية ومديرا فعليا وقادرا للموارد الرعوية، بالإضافة الى بناء قاعدة بيانات شاملة ومتجددة توفر المعلومات الأيكلوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لصانع القرار ولكل المختصين والمرين وكل الجهات ذات العلاقة للإلمام الجيد بالوضع الراهن للموارد الرعوية والثروة الحيوانية ووضع الخطط الصحيحة وتنفيذها بشكل جيد ومستنير، ويوصى بدعم وتطوير البحث العلمي والاستفادة من نتائجه وباستخدام التقنيات الحديثة مثل نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد في الدراسات وإدارة المعلومات كلما توفر ذلك ولا بد من المسوحات والتحديد الدقيق لأراضي المراعي للتمكن من دراستها وإدارتها وتنميتها المستدامة.