التغيير الكامل الذي حدث في حياة التوأم السيامي السعودي رنا ورنيم، والسعادة التي تحيط بهما وبالأسرة، يؤكد أن ما تم كان يستحق الجهود الكبيرة التي بذلها الفريق.. هذه حصيلة الحوار الذي أجرته " الرياض " مع الفريق السعودي الذي قام على عملية فصل التوأم السامي السعودي "رنا ورنيم".. وما لمسناه خلال الحوار أن "الدقة" كانت سيدة الموقف، والخبرة والمعرفة والالتزام الاخلاقي عوامل أساسية ميزت عمل الفريق، فجميع أعضاء الفريق من كل التخصصات يعملون بتناغم وتفاهم واتفاق محسوب للتوقعات والتحديات والمفاجآت.. وكل تخصص له أهميته الموزونة لتتكامل المهام.. ولذلك فإن النجاح الذي تحقق ينم عن صلابة الفريق، وقوة أعضائه، من كل التخصصات. بداية سألت "الرياض" الدكتور أحمد عبدالرحمن الفريان، استشاري جراحة المخ والأعصاب، رئيس الفريق رئيس الفريق الطبي والجراحي في عملية فصل التوأم رنا ورنيم، كيف استقبلتم الحالة، وكيف تعرفتم عليها فقال إنه في العام 2012 استقبلنا الأم الحامل بالتوأم وتم التوليد بقيصرية بواسطة الدكتورة صفية السلطان، وبعدها تم تحويل الطفلتين إلى العناية المركزة، وإجراء الفحوصات اللازمة.. وتمت الاستشارات بين الفريق، كل في اختصاصه للنظر في إمكانية الفصل، فبعض الحالات من الالتصاق من الراس لا يمكن فصلها لأن الدماغ قد يكون مشتركاً بشكل كبير، والأوردة والشرايين لا يمكن فصلها، فقد تحدث الوفاة للاثنين أو لأحدهما. وتابع: بعد عدة أشهر تم الاتفاق على الفصل، ولكن الأمر يحتاج لمجموعة عوامل، منها عمل مجسمات بلاستيكية للأوردة والشرايين، وقد استعنا في ذلك بالدكتور جيمس غودريتش، مدير وأستاذ قسم جراحة المخ والأعصاب للأطفال، مستشفى الأطفال في مونتيفيوري، كلية ألبرت اينشتاين للطب في نيويورك، أرسلنا إليه الأشعات لعمل النماذج واستقبلناه في العملية الأولى وبعدها تم الاتفاق على عمليات تجرى على مراحل، شهرين أو ثلاثة أشهر لكل مرحلة. لا تردد وعما إذا شعر الفريق بالتردد في إجراء الفصل لسبب أو آخر يقول الدكتور مرداس العتيبي، أستاذ جراحة المخ والأعصاب، وجراحة قاع الجمجمة، وجراحة التشنج (الصرع) أنه لا بد أن نذكر أن استمرار حياة الطفلتين بهذا الوضع الملتصق سيكون مستحيلاً، لأنهما ملتصقتان التصاقاً عكسياً، إحداهما ستمشي إلى الأمام والأخرى إلى الخلف، وكذا في حالة النظر، خلال سنتين لم تستطع رنا رؤية رنيم إلا بالمرايا العاكسة لذلك لم يكن هناك أي تردد في مساعدتهما والعمل على إيجاد حل لفصلهما، فبعد دراسة الحالة وإجراء الفحوصات ودراسة أشعة الرأس، تم اتخاذ قرار الفصل ووضعنا الخطة للعملية وجدولة مراحلها، وبعد كل عملية كانت هنالك أشعة رنين مغناطيسي وتصوير للأوعية الدموية للتأكد من عدم وجود جلطات دماغية أو نتائج عكسية وبفضل الله كانت كل مرحلة تعطي نتائج إيجابية أكثر وتساعد للانتقال إلى المرحلة التالية. وعن الخطوة الأهم، قبل العملية، التي كانت سبباً في نجاح الفصل، يقول الدكتور مرداس: بعد توفيق الله كانت الخطوة الأهم هي القدرة على إغلاق الأوردة الدموية والتي تمت على مراحل وكان آخرها إغلاق الأوردة الدموية بالقسطرة (الأشعة التداخلية). ويشير الدكتور مرداس إلى أن نسبة الالتصاق بالرأس على مستوى الأوردة كان كاملاً، أما نسبة التصاق الدماغ فكانت 50% تقريباً الأمر الذي يجعل من هذه الحالة أصعب وأعقد حالات الالتصاق في الرأس المعروفة عالمياً. وعن دور جراحة التجميل وترتيباتها في العملية يقول الدكتور ناصر الهديب استشاري جراحة التجميل والجراحات المجهري أن فريق جراحة التجميل يساهم في كل مراحل الفصل بين الطفلتين، ففي المراحل الاولى السابقة للفصل يحدد جراح التجميل اماكن الجروح وخط الفصل بين الطفلتين بحيث يحافظ على الناحية الجمالية بعدم وجود جروح واضحة في مقدمة الرأس وايضا الحرص على عدم التأثير على كمية الدم المغذية لفروة الرأس، كما تم في المراحل اللاحقة وضع 3 بالونات طبية تحت جلد الرأس وتعبئتها لاحقا بمحلول ملحي لتمديد وزيادة حجم الجلد المتوفر في مرحلة الفصل بحيث يتوفر كمية كافية من الجلد لتغطية منطقة الالتصاق بالكامل، كما سيتم خلال الاشهر القادمة اعادة ترميم الجمجمة من قبل فريق الجراحة التجميلية عن طريق اخذ بعض الاضلاع من الطفلتين واستخدامها لتغطية المخ وحمايته. حالة «رنا ورنيم» نادرة بنسبة واحد في المليون.. و75% يتوفون تجارب عالمية وعن تقييمه لجدوى الخطوات التي تمت يقول الدكتور مناف العزاوي، استشاري، جراحة التجميل: الخبرة من العمليات السابقة كانت مفيدة لنا ففي عام 2007 أجرينا فصل التوائم العمانية (مروة وصفاء)، والعملية كانت لها تحدياتها، وعالية خطورتها، ولكن الاتصال بين الدماغين لم يكن خطيراً مثل حالة رنا ورنيم، فالاتصالات الكاملة التي يلتصق بها الجلد والعظم والأوردة والدماغ نوع من أقسى أنواع الالتصاق. واضاف الدكتور العزاوي أن الالتصاق في الجمجمة حالة نادرة جدا، واحد في مليون طفل يولد بهذه الحالة و75% منهم يتوفون في فترة حول الولادة. وفي التاريخ بدأ فصل مثل هذا التوأم منذ عام 1951، ولكن نسبة النجاح تكاد تكون معدومة، أول حالة يعيش فيها طفلتان ولكن بإعاقة كانت عام 1972.. وبعد ذلك أجريت عملية مماثلة في سنغافورة عام 2000 واستغرقت نحو 97 دقيقة وتوفي الطفلان.. وكذلك قصة التوأم الإيراني حيث قام فريق سنغافوري بقيادة ألماني بمحاولة لفصل الأختين ولكنهما توفيتا اثناء العملية. الزورق السعودي ويقول الدكتور مناف العزاوي، نجاح الفريق السعودي في هذه العملية هو بعد توفيق الله ينم عن صلابة الفريق، وقوة أعضائه، من كل التخصصات، فكل عضو في الفريق له دور مهم، فشل أي واحد يؤدي إلى فشل الفريق، وأنا أشبه ذلك بالزورق الذي تتضامن فيه المسؤولية ليبحر بأمان. وعن الجديد الذي أضافته العملية للفريق يقول الدكتور مناف أن خصوصية العملية أضافت لنا الكثير، فأنت تتحدث عن فريق أجرى عمليتي فصل التصاق بالرأس من عدد حالات لا يتجاوز 21 حالة فصل.. عبر التاريخ، أي عندنا 10 % منها، وهذه الحالة نسبة نجاحها قليلة جداً، ولكن الفريق قام بأعمال كبيرة. التجميل مستمر وعن الوقت الذي استغرقه تدخل التجميل، يقول د. مناف: نحن دائماً موجودون، نقوم بالأدوار الأولية، وننتظر الفريق من التخصصات الأخرى ليقوم كل بدوره، وكان لنا دور في مرحلة قلب الطفلتين لتغير وضعهما أثناء العملية، فهذه مرحلة حساسة، مريضتان ملتصقتان ومرتبطتان بكل الأجهزة والجرح مفتوح، ويتم تغيير الوضع أثناء العملية.. الأمر يحتاج تفاهماً شديداً من كل الفريق. وفي إجابته عن سؤال "الرياض" ما إذا كان هناك نسبة تشوه متوقعة لتجميل الرأس في المستقبل، خاصة أن الحالة لبنتين، يشير د.العزاوي إلى أنهم حافظوا على مقدمة الرأس، وشكلها طبيعي بنسبة 80 %، والمنطقة الوحيدة التي ستكون خالية من الشعر في الوقت الحالي هي مؤخرة الرأس، وإلى الآن لديهما جلد يغطي الرأس في منطقة الالتصاق وهي حساسة ويجب حمايتها، وفي المستقبل يتطلب إعادة تشكيل الجمجمة، بعد فترة 3 6 أشهر حيث يتم ترميم الجمجمة، وهناك عدة خيارات، وفي الغالب سنستخدم الأضلاع من منطقة الصدر، ستستخدم كطعم عظمي لترميم الجمجمة كما حصل مع التوأم العماني. خلال سنتين لم تتمكن رنا من رؤية رنيم إلا بالمرايا العاكسة! مفاجآت اللحظة وعن التحدي الذي واجه الفريق في التخدير اوضح الدكتور نزار الزغيبي، استشاري التخدير ونائب رئيس قسم التخدير أن وظيفة طبيب التخدير تبدأ قبل العملية بتقييم حالة المريض الصحية ومدى تحمله للتخدير والعملية الجراحية، ومن ثم مرحلة التخدير للعملية الجراحية ومراقبة الوظائف الحيوية مشيراً إلى أن التنسيق بين فريق التخدير والفريق الجراحي خلال المراحل المتعددة للعملية ضروري لنجاحها. كما اوضح ان فريق التخدير كان على علم ودراية كاملة بحالة الطفلتين حيث تم تخديرهما اكثر من ثماني مرات قبل عملية الفصل النهائية وذلك من أجل عمليات فصل الأوردة الجزئية والأشعة التداخلية والمغناطيسية. ونوه إلى أن احد التحديات التي واجهت فريق التخدير في هذه الحالة خصوصاً، هي ان وجهي الطفلتين متعاكسان مما صعّب عملية التنبيب لهما الا أن خبرة الفريق السابقة في تخدير الطفلتين مرات متعددة قبل عملية الفصل النهائية ساعدت على تجاوزها بسلاسة في عملية الفصل النهائية مختصرة المرحلة الاولى للتخدير من ثلاث ساعات الى ساعة وعشر دقائق. وكشف الدكتور نزار الزغيبي عن ظهور اعراض ارتفاع ضغط الدم لرنا بعد عملية الفصل الجزئي الثانية، مما ادى الى تنويمها في العناية المركزة وإعطائها أدوية في الوريد للتحكم في ضغط الدم، كما حدث لرنيم هبوط في ضغط الدم، وهذه الظاهرة غير واضحة علمياً ولم تفسرها الأبحاث السابقة، وكان من الضروري الاخذ بعين الاعتبار هذه الظاهرة اثناء تخديرهما، كما أنه من التحديات أثناء عملية الفصل النهائي حدوث نزيف لرنا ولكن ولله الحمد تم تجاوزها بدون خطورة على حياتها. وعن نقل الدم للطفلتين، قال الزغيبي انه تم نقل 5 وحدات لرنا، ووحدتين لرنيم وهذه كمية في حدود المقبول في مثل هذه الحالات حيث توضح الأبحاث الطبية أن المريض قد يحتاج ان ينقل له ثلاثة اضعاف كمية دمه أثناء مثل هذه العمليات. ويعود الدكتور أحمد الفريان بالحديث عن أبرز المفاجآت واللحظات الحرجة، حيث يقول إنه يجدر بنا أن نتحدث عن الدكتور رياض العقيلي، استشاري أشعة المخ والتدخل بالقسطرة، فبعد المناقشة توصلنا أنه يمكن أن يساعدنا في أغلاق بعض الأوردة بالتدخل عن طريق وريد الفخذ (الإربي)، والوصول إلى أوردة الدماغ وإغلاقها بمواد خاصة، هناك تجربة في أمريكا، حاولوا الإغلاق بهذه الطريقة، ولكن توفي المريض لأن مادة الإغلاق دخلت الرئة وأغلقتها ولكن ولله الحمد الدكتور رياض كان بارعاً، فقطع الطريق أمام النزف، وجعلنا نتعامل مع عدد أقل من الأوردة، وكانت الدقة العامل الأساسي. ليست مجازفة وسألت "الرياض" الدكتور الفريان عما إذا كانت العملية "مجازفة" حيث تمت الإشارة إلى أن نسبة النجاح 60 %.. فقال، أبدا لم تكن مجازفة، فحياتهما لا تستقيم إلا بالفصل، ولا خيارات أخرى، وقرار الفصل قرار مشترك بين الفريق وأهل الطفلتين، على أساس الأفضل لهما، فنسبة نجاح المرحلة الأولى كانت 80 %، والثانية 70 %، وكل مرحلة نتعمق، خاصة في أجزاء الدماغ كان الخطر أعلى. ويضيف الدكتور مناف العزاوي أن رغبة الطبيب في مساعدة المريض أساسية، وعملية رنا ورنيم كانت تحمل مخاطر، فالالتصاق بالرأس يجعل اتخاذ القرار صعباً، ويضرب مثلاً بالتوأم الإيراني وعمليتهما التي أجريت في سنغافورة وانتهت بوفاتهما، فكونهما كانا في العشرينات من العمر جعل القرار بيديهم، وقد علمتا المخاطر، ومع ذلك وافقتا على العملية. ويستطرد الدكتور مناف موضحاً أن هذه الأمور تقودنا نحن الجراحين أن نأخذ في الاعتبار القرار الأخلاقي. وعن المرحلة العمرية المناسبة لإجراء العملية يقول الدكتور أحمد الفريان، العمر مهم جداً، فلابد من أن تكون المرحلة العمرية مناسبة لتحمل نقل الدم أو النزف وكذلك التخدير، فلا يكون أكثر من 3 سنوات، وتفضّل السنتان الأول من عمر المريض، لأن الدماغ يبدأ يأخذ شكله النهائي، فلا يكون العمر صغيراً فتكون المخاطر عالية، ولا كبيراً حتى لا يكون الدماغ قد أخذ شكله والأوردة تشكلت. مرحلة التأهيل وعن وضع الطفلتين يؤكد الفريان أنهما بحالة جيدة، وأمورهما مستقرة، والآن الفريق الأكثر علاقة بهما هو فريق التجميل من ناحية ترقيع الجلد والعظم، ومن ناحيتنا نحن لدينا علاقة من حيث التأهيل ومساعدتهما على التواصل مع العائلة، فبعد أكثر من سنتين وجدناهما وكأنهما تريان أبويهما للمرة الأولى، وهذه المرحلة تحتاج اخصائيين نفسيين، والدكتور عمر المديفر والدكتورة آمنة من قسم النفسية سيقومان بهذه المهمة. وعما إذا كانت حالة رنا ورنيم بالفعل أخطر عملية من نوعها، يقول الدكتور الفريان، نعم هي اخطر عملية تواجه الجراحين ولكن هناك حالات مشابهة أقل خطورة في أستراليا، وبريطانيا، وتكساس، وفي نيويورك. واختتم الدكتور مرداس العتيبي الحوار بعبارات لها دلالتها، وهي قوله: "الآن ونحن نرى التغيير الكامل الذي يحدث في حياة رنا ورنيم، والسعادة التي تحيط بهما وبالأسرة، نؤكد أن ما تم كان يستحق الجهود الكبيرة التي بذلها الفريق" الفريق الطبي والجراحي في لقطة جماعية العزاوي والفريان يشرحان مراحل العملية ناصر الهديب ومناف العزاوي الفريان الدكتور الزغيبي جراح المخ العتيبي مع الفريان ومتابعة للطفلة رنا الطفلة رنيم وابتسامة بعد العملية