من المعروف أنه في المجتمعات التي يوجد فيها كثير من كبار السن والمعمرين فإن نسبة كسور الورك تزداد سنوياً. والكسر في هذه الفئة من كبار السن لا يعني فقط كسرا في العظمة ولكن قد يشكل خطورة على الحياة. فالكسر بحد ذاته عادةً ما يسهل علاجه ولا يشكل مشكلة كبرى من الناحية الجراحية لطبيب العظام. ولكن ما أن يحصل الكسر في هذه الفئة من كبار السن إلا وتأتي معه العديد من المشاكل الطبية والمضاعفات الطبية المحتملة لدى هذه الفئة من المرضى وخصوصاً عندما يطول استلقاؤهم على السرير نتيجة الكسر. وهذه المضاعفات هي التي قد تحول الكسر من كسر بسيط إلى حالة طبية ذات خطورة على حياة كبير السن. أما في الأطفال وفي الشباب فإن الحالة تختلف. وفي التقرير التالي سوف نناقش كسور الورك في كبار السن وكيف تؤدي إلى خطورة على الحياة وكيف يمكن علاجها وتفادي مشاكلها. من الناحية التشريحية كيف يعمل مفصل الورك؟ إن مفصل الورك هو مفصل مصمم بشكل كرة وتجويف (ball and socket). الكرة هي عبارة عن رأس عظمة الفخذ (femoral head) أما التجويف فهو في جزء من عظمة الحوض (acetabulum). والتقاء هذه الكرة مع التجويف يشكل مفصل الورك (hip joint). هذه الكرة التي تقع في الجزء الأعلى من عظمة الفخذ تتصل بباقي عظمة الفخذ عن طريق عنق مكون من جزء قصير من العظام يصل هذه الكرة بباقي عظمة الفخذ (femoral neck). وتحيط بهذه العظام الغشاء المفصلي وبعد ذلك الأربطة والأوتار والعضلات من الناحية الأمامية والخلفية من المفصل وهي التي تكون مسؤولة عن توفير الحركة في مفصل الورك. وكأي جزء في الجسم فإن توفير التروية الدموية هو شيء مهم لسلامة ووظيفة الجزء وفي مفصل الورك فإن الدم يصل إلى الكرة أو رأس عظمة الفخذ عن طريق هذا الجزء العظمي المسمى بالعنق الذي ذكرناه سابقاً. ولذلك إذا ما كان هناك كسر أو اعتلال أو خلل في إيصال الدم إلى كرة المفصل عن طريق هذا العنق فإن ذلك يؤدي إلى موت كرة المفصل (a vascular necrosis) ويؤدي إلى حدوث المضاعفات التي قد تنتج عند هؤلاء المرضى. أسباب كسور الورك لدى كبار السن الإصابات بمختلف أنواعها هي السبب الأهم لحدوث هذه الكسور. وفي كبار السن قد يكون الكسر نتيجة إصابة بسيطة مثل الوقوع داخل دورة المياه أو الوقوع داخل غرفة النوم أو السقوط من درجتين أو ثلاث درجات فقط (simple falls). وبالإضافة إلى ذلك قد تحدث هذه الكسور نتيجة الحوادث المرورية أو الإصابات المباشرة. وكبار السن عادةً ما يكونون عرضة لمرض هشاشة العظام (osteoporosis) وترقق العظام الذي بدوره يؤدي إلى ضعف في عظمة عنق الفخذ التي تصل الكرة أو رأس العظمة ببقية العظمة. هذا الضعف يؤدي إلى حدوث هذه الكسور بسهولة لدى كبار السن. وفي بعض الحالات قد يحدث الكسر قبل السقوط (stress fracture) ويكون نتيجة ضعف في العظام مما يؤدي إلى حدوث الكسر أثناء المشي وبعد ذلك يكون السقوط نتيجة هذا الكسر. والكسر في كبار السن لا يعني فقط كسراً في العظمة ولكن قد يشكل خطورة على الحياة الأعراض في كسور الورك كما هي الكسور في أي جزء من الجسم تكون هناك آلام في منطقة الكسر. ويصبح الوقوف أو وضع أي وزن على الساق في ناحية الورك المكسور صعب جداً. بالإضافة إلى ذلك فإن حركة الورك وثني الفخذ تصبح صعبة. وفي بعض الحالات التي تحدث لدى كبار السن الذين يعيشون بمفردهم قد تنقضي عدة ساعات قبل أن يعرف أحد بأن المريض قد سقط نتيجة حدوث هذا الكسر. هذا التأخر في إسعاف المريض قد يؤدي إلى تعرض كبير السن إلى الجفاف والجوع وتحمل الآلام. التشخيص عادةً ما يكون بعد أخذ التاريخ المرضي وبعد فحص المريض الذي يبين وجود آلام في منطقة الورك وكذلك يبين وجود تحدد في حركة الورك وآلام شديدة. أيضاً في بعض الحالات يكون هناك تشوه واضح في وضع الفخذ والساق المصابة نتيجة تحرك العظام في منطقة الكسر. أما الأشعة السينية (X-ray ) فعادةً ما تبين بوضوح مكان الكسر ومدى تحرك العظام عن بعضها البعض. وفي بعض الأحيان وفي الحالات التي لا تكون العظام فيها متحركة بشكل كبير فإنه قد يتم اللجوء إلى عمل أشعة رنين مغناطيسي (mri)أو أشعة مقطعية (ct scan). وبالإضافة إلى هذه الأشعات فإنه يجب التركيز أيضاً على حالة المريض كبير السن العامة مثل حالة الرئة والقلب والأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري أو الأمراض المتعلقة بالحالة العقلية والذهنية لدى المريض. ولذلك فإن كثيرا من الحالات يتم إجراء أشعة للصدر (chest X-ray ) وأشعة للقلب (echocardiogram) وتخطيط للقلب (EKG ) وفحص كامل للدم. الخطة العلاجية الخطة العلاجية في هذه الفئة من المرضى يجب أن تكون موجهة للمريض أو المريضة بشكل كامل وليست فقط للكسر في الورك المصاب. فجزء مهم من علاج هذه الحالات هو أن يتم البدء بتثبيت الحالة العامة للمريض أو المريضة مثل التأكد من أن نسبة السكري في الدم طبيعية والتأكد من أن ضغط الدم في المعدل الطبيعي وإعطاء المريض أو المريضة جرعات كافية من المحلول المغذي (Ivf ) عن طريق الوريد والأدوية المسكنة. وفي كثير من الحالات يتم تحويل هؤلاء المرضى إلى استشاري الأمراض الباطنية أو استشاري أمراض القلب أو استشاري الغدد الصماء ليساعد في علاج هذه الحالات التي تكون موجودة لدى الكثير من المرضى ويساعد أيضاً في تجهيز المريض للعملية الجراحية لتثبيت الكسر في الورك المصاب. العلاج غير الجراحي وهذه الطريقة نادراً ماتستخدم في علاج مثل هذه الكسور وهي قد تستخدم في بعض الحالات النادرة التي يكون فيها الكسر غير متزحزح بتاتاً (non displaced) ولا توجد آلام شديدة في الورك وفي هذه الحالة يتم نصح المريض أو المريضة بعدم الوقوف أو المشي على الورك المصاب لمدة ستة أسابيع إلى عشرة أسابيع يتم أثناؤها إعطاء المريض الأدوية المسكنة للآلام وجرعات كافية من الكالسيوم وفيتامين د. وبعد فترة من الوقت وإذا ما كانت الأشعة السينية تبين أن الكسر قد بدأ يلتئم فإنه يمكن للمريض أو المريضة البدء بالمشي بمساعدة العكاكيز الطبية وأخصائي العلاج الطبيعي. وهذه الخطة العلاجية يجب أن لا يكون من ضمنها الراحة التامة وعدم السماح للمريض بالقيام أو الحركة لأن بقاء المريض في السرير لفترات طويلة قد أثبت أنه مضر جداً لهذه الفئة من المرضى ويسبب مضاعفات كثيرة من ضمنها التقرحات (bed sores) ومشاكل في الجهاز البولي ومشاكل في الجهاز الهضمي وتفاقم الهشاشة وحدوث الجلطات الوريدية (deep veins thrombosis). التدخل الجراحي الغالبية العظمى من كبار السن الذين يتعرضون لكسور الورك يجب علاجهم بالتدخل الجراحي. ويجب أن تكون الجراحة في أقرب فرصة وخلال يوم أو يومين إذا أمكن من تعرض المريض للكسر. والهدف من العملية الجراحية في علاج كسور الورك هو إعادة العظام المكسورة لوضعها الطبيعي وتثبيتها بشكل ممتاز مما يسمح للمريض كبير السن القيام والخروج من السرير والبدء بالحركة في أقرب فرصة لتفادي المضاعفات المتحملة. وهناك أكثر من طريقة جراحية لتثبيت هذه الكسور وهذا يعتمد على نوعية الكسر. فيمكن تثبيت الكسر ببراغٍ طبية أو باستخدام براغي طبية مع شريحة طبية أو عن طريق استبدال كرة مفصل الورك بمفصل صناعي. المسمار المعدني في الكسور التي تحدث في منطقة العنق الذي يصل كرة رأس عظمة الفخذ بباقي عظمة الفخذ وإذا ما كان الكسر غير متزحزح بشكل كبير فيمكن تثبيته باستخدام مسمار أو مسمارين أو ثلاثة مسامير تشبك أجزاء الكسر ببعضها البعض وتوفر ثباتاً للمنطقة المكسورة (hip pinning). هذه العملية الجراحية هي عملية روتينية وسهلة بإذن الله وتستغرق حوالي الساعة وتساعد على تثبيت الكسر واستعادة المريض للحركة بشكل سريع بإذن الله. الشريحة المعدنية مع المسامير في بعض أنواع كسور الورك التي يكون فيها الكسر شديداً وتكون العظام متحركة من بعضها البعض أو تكون في منطقة أبعد من منطقة عنق عظمة الفخذ فإن استخدام شريحة معدنية بالإضافة إلى المسامير المعدنية يكون لازما (dynamic hip screw). وهذه العملية الجراحية هي أيضاً من العمليات الروتينية والمتوسطة في الكبر وتستغرق عادةً حوالي الساعة إلى الساعتين ويتم أثناؤها إعادة عظام الكسر إلى وضعها الطبيعي وبعد ذلك يتم ثبيتها باستخدام شريحة معدنية طبية وباستخدام ستة أو سبعة مسامير معدنية طبية (DHS). هذه الشريحة والمسامير توفر ثباتاً كافياً للكسر بحيث يستطيع المريض البدء بالحركة والعلاج الطبيعي في اليوم التالي بعد الجراحة بإذن الله. نصف المفصل الصناعي (hemiarthroplasty) عندما يكون الكسر في عنق عظمة الفخذ ويكون متزحزحاً بشكل كبير وتكون هناك فرصة كبيرة لأن ينقطع الدم الذي يصل إلى الكرة أو رأس عظمة الفخذ. وأيضاً عندما يكون هناك تأخر في علاج الكسر لأكثر من بضعة أيام أو تكون هناك هشاشة شديدة جداً بحيث حتى لو تم استخدام المسامير والشريحة فإن الكسر لا يلتئم ففي هذه الحالات كلها يكون الخيار الأمثل هو استبدال رأس عظمة الفخذ أو الكرة التي تتصل بعظمة الحوض ووضع أجزاء معدنية طبية بدلا منها في ما يعرف بعملية نصف مفصل الصناعي. وهذه العملية لها فوائد في أنها تزيل الجزء المكسور وتستبدله بأجزاء معدنية طبية وبالتالي فإن الحاجة إلى التئام الكسر تنعدم ويستطيع المريض أو المريضة مباشرة المشي ووضع وزن على الورك المصاب بسرعة. المضاعفات المحتملة لكسور عظام الورك المضاعفات التي تحدث بعد هذه الكسور لدى كبار السن قد تكون ذات خطورة على الحياة. وعلى الرغم من أن بعض هذه المضاعفات قد يكون له علاقة بالعملية الجراحية إلا أن الكثير من المضاعفات المحتملة لها علاقة بحدوث الكسر وبحالة المريض العامة وليست لها علاقة بالعملية الجراحية. ولعل أكبر خطر يؤدي إلى زيادة هذه المضاعفات في كبار السن الذين لديهم كسور في الورك هو وضع هذا المريض كبير السن في السرير لفترات طويلة (immobilization). لأن هذا الإجراء يؤدي إلى تفاقم المشاكل الطبية والصحية التي لدى هؤلاء المرضى.