وصل الامين العام للامم المتحدة بان كي مون أمس الثلاثاء الى جنوب السودان ليدعو الى وضع حد لحرب دموية متواصلة منذ اربعة اشهر رافقها تحذيرات من حصول ابادة جماعية ومجاعة. وتأتي الزيارة في وقت تشهد فيه مدينة بنتيو النفطية شمالا معارك شرسة بين القوات الحكومية والمتمردين. وتعتبر الزيارة محاولة جديدة لدفع المتنازعين الى وقف اطلاق النار بعد اربعة اشهر من القتال الدامي بين القوات الحكومية الموالية للرئيس سلفا كير المنتمي الى قبائل الدينكا، والمتمردين بزعامة نائبه السابق رياك مشار من قبائل النوير. واكد بيان للامم المتحدة وصول الامين العام الى العاصمة جوبا في زيارة تستمر يوما واحدا فقط. واضاف ان "الامين العام دعا مرارا القيادات للتوصل الى حل سياسي، ولوضع حد فوري للعنف الذي اسفر عن معاناة الكثيرين من المدنيين الابرياء". واتهم الطرفان بارتكاب مجازر على اساس عرقي والقيام بعمليات اغتصاب وتجنيد اطفال. وتأتي زيارة كي مون بعد عدة ايام على مغادرة وزير الخارجية الاميركي جون كيري جوبا حيث حصل على وعود من كير لعقد لقاء مباشر مع مشار. وبرغم التهديدات بفرض عقوبات على المعنيين في حال استمرار القتال، شنت الحكومة هجوما واسعا لاستعادة السيطرة على مدن من ايدي المتمردين. ومن المفترض ان يلتقي بان بالرئيس كير، كما بقياديي مجموعات من النازحين اللاجئين الى قواعد الاممالمتحدة. ويتخوف هؤلاء من مغادرة القواعد الاممية خشية التعرض لاعتداءات، برغم ان القواعد نفسها هوجمت مرات عدة. وتتزامن الزيارة مع استمرار المعارك في محيط مدينة بنتيو، عاصمة ولاية الوحدة النفطية، بعد اربعة ايام على شن القوات الحكومية لحملة واسعة تهدف الى استعادتها. مؤيدون لسلفا كير يغنون لدى وصوله إلى منطقتهم قرب العاصمة (رويترز) وقال وزير دفاع جنوب السودان كيول مانيانغ لوكالة الأنباء الفرنسية ان القوات الحكومية تسيطر على وسط المدينة، فيما تدور المعارك الشرسة في القرى المحيطة على بعد حوالي خمسة كيلومترات منها. وادت المعارك في جنوب السودان الى مقتل عشرات الاف، في غياب حصيلة محددة للضحايا، فضلا عن تشريد اكثر من مليون شخص. ولجأ اكثر من 78 الف مدني جنوب سوداني الى ثماني قواعد للامم المتحدة خوفا من تعرضهم للقتل. وكان تم التوصل في يناير الى اتفاق وقف اطلاق نار في اطار المفاوضات بين الطرفين برعاية افريقية في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، الا انه لم يطبق فعليا على ارض الواقع. ولم يتفق الطرفان حتى الآن على برنامج المحادثات بالرغم من تحذير الاممالمتحدة من حصول ابادة جماعية او مجاعة. من جهته هدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم الاثنين بفرض عقوبات "وعواقب" أخرى على زعيم المتمردين ريك مشار إذا رفض الالتزام بمحادثات السلام الرامية الى وقف قتال يدور منذ أكثر من أربعة أشهر وأودى بحياة الآلاف. وكان كيري زار جنوب السودان يوم الجمعة الماضي بعدما حصل على تعهد من رئيس جنوب السودان سلفا كير بالسفر الى إثيوبيا لحضور محادثات مباشرة مع خصمه مشار. الا ان كيري أخفق في الحصول على التزام مماثل من مشار عندما تحدث اليه تليفونيا. وقال كيري في تصريحات للصحافيين في لواندا عاصمة أنغولا وهي آخر محطة في جولته التي استمرت ما يقرب من إسبوع في افريقيا "عليه ان يتخذ قرارا جوهريا. إذا قرر عدم الذهاب وماطل فسيكون لدينا عدد من الخيارات المختلفة". وأضاف "دعوني أقلها صريحة إذا حدث رفض تام للمشاركة من طرف ما أو آخر... فلن يكون هناك مجرد احتمال فرض عقوبات بل ستكون هناك عواقب خطيرة أخرى واحتمال وجود تبعات". وأشار كيري الى ان هذه التبعات تتضمن أيضا "المحاسبة" على الفظائع التي ارتكبت خلال الصراع. ومضى كيري يقول "هناك عدد كبير من الاحتمالات". واشتبك جيش جنوب السودان مع المتمردين التابعين لمشار يوم الاثنين داخل بلدة بانتيو الشمالية النفطية وحولها مما يبدد الآمال بشأن تنشيط جهود السلام. واستنكر كيري الهجمات العسكرية لحكومة جنوب السودان في الآونة الأخرة على مواقع تسيطر عليها المعارضة في بانتيو وناصر وأماكن أخرى في ولايتي الوحدة وجونقلي. وقال كيري في بيان له "هذه الهجمات تنتهك انتهاكا صارخا اتفاق 23 من يناير لوقف الأعمال الحربية وتخالف تعهدات كير التي قطعها في الأيام الأخيرة. ونحن ندعو كل الأطراف إلى إعادة التعهد بالالتزام بالاتفاق بالأفعال لا بالكلمات فحسب ووقف أي هجوم عسكري". اصبح جنوب السودان أحدث دولة في العالم عندما أعلن استقلاله عن السودان عام 2011 الا ان قتالا اندلع في منتصف ديسمبر الماضي بين القوات الموالية لكير وجنود موالين لمشار نائب كير الذي أقاله من منصبه. ونزح أكثر من مليون شخص عن ديارهم واعلنت مزاعم من الجانبين عن حدوث انتهاكات. وقال مشار في مقابلة يوم السبت الماضي مع صحيفة سودان تريبيون إنه يرى ان اللقاء المباشر بينه وبين كير قد تكون له نتائج عكسية الا ان كيري -الذي قال إنه قرأ المقابلة- قال إن مشار لم يستبعد عقد الاجتماع. وبدا ان كيري لا يزال يأمل بعقد الاجتماع. وقال في لواندا مشيرا الى ان زوجة مشار في اثيوبيا حيث تقرر ان تعقد المباحثات المباشرة "إنه عبر عن قدر من الشكوك الا انه لم يقل إنه لن يتوجه الى هناك". ويدور القتال في جنوب السودان وفقا لتقسيمات قبلية بين قبيلة الدنكا التي ينتمي اليها كير وقبيلة النوير التي ينتمي اليها مشار. وحذر كيري في تصريحات من أن أعمال العنف العرقية المتزايدة قد تتحول إلى إبادة جماعية ومجاعة. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما وافق الشهر الماضي على فرض عقوبات محتملة على من يتقرر أنهم يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان في جنوب السودان أو يقوضون الديمقراطية أو يعرقلون عملية السلام. ولكن يبدو أن التهديدات بالعقوبات من واشنطن وأماكن أخرى لم تفعل شيئا حتى الآن لتغيير موقف مشار الذي رفض أيضا اقتراح كيري تشكيل حكومة انتقالية قبل اجراء الانتخابات. ونقل عن مشار قوله "سألته (كيري) ما الغرض من تشكيل حكومة انتقالية؟ لن تكون ناجحة بدون برنامج للتنفيذ قبل مجئ الانتخابات". واضاف قوله "يجب أن يكون لدينا أولا اتفاق سلام مع دستور جديد. وليس من المنطقي البدء بحكومة انتقالية".