من يعرف معالي الأستاذ الدكتور إسماعيل البشري يعرف فيه الرجل الباش المبتسم الذي يبادرك بالسلام، ويأخذك بالأحضان، ويظهر لك من مشاعر الود والمحبة والصدق والكرم والوفاء ما لا تجده إلا فيمن هم في مثل سماحة الدكتور إسماعيل البشري ذي الشخصية المتكاملة علماً وخلقاً وأدباً ومروءة وحباً لوطنه وقيادته، وإخلاصاً في عمله حيثما حلّ بدءاً من جامعته الأم: جامعة الملك خالد التي تميّز فيها أستاذاً وباحثاً ومسؤولاً رفيعاً، وحينما أعيرت خدماته مديراً لجامعة الشارقة فوضه حاكمها سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كامل الصلاحيات، فانطلق في عمله بجد وإخلاص وأدار الجامعة باقتدار، ووقف بنفسه على مختلف مراحل تأسيسها، وبناء حرمها الجامعي حتى غدت من أجمل الجامعات وأفضلها وأميزها، وحينما تركها بعد انتهاء فترة إعارته وبناء على رغبته ترك فيها أجمل الذكريات عند كل من عاصره من طلاب الجامعة وأساتذتها وموظفيها وحتى من بعض سائقي سيارات الجامعة الذين ما التقيت أحداً منهم ممن رافقني في أثناء زياراتي المتكررة للجامعة ضيفاً عليها إلا ووجدته طوال مرافقته لي يذكر الدكتور إسماعيل بالخير، ويمطره بوابل الثناء. وفي مجلس الشورى كان الدكتور إسماعيل جاري في الجلوس، وكان نجماً من نجوم المجلس اللامعة، وعضوا في لجنة الشؤون التعليمية التي برّز فيها مع زملاء آخرين له من خيرة رجالات التربية والتعليم. أما في جامعة الجوف التي عُين مديراً لها فقد كان الحمل عليه ثقيلاً، والمهمة في غاية الصعوبة؛ لكونها جامعة ناشئة في منطقة نائية، وتعاني نقصاً في كل شيء حتى في أعضاء هيئة التدريس، والمهرة من الإداريين. ومع ذلك استطاع الدكتور إسماعيل البشري في وقت قياسي التغلب على كثير من جوانب النقص فيها بشتى الطرق بما في ذلك الندب والإعارة والاستقطاب، ولعل جامعة الجوف في عهده من أكثر الجامعات التي استفادت من مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي. ويعدّ الدكتور اسماعيل البشري من الآباء المثاليين الذين يغلِّبون مصالح أبنائهم، ورسم مستقبلهم على مصالحهم الشخصية، وراحتهم البدنية، فآثر حياة الاغتراب والسفر أسبوعياً إلى الجوف على عدم نقل أبنائه من جامعاتهم وتخصصاتهم التي سلكوا فيها، وظل طوال ما انقضى من عمله في جامعة الجوف يعطيها العطاء الأوفى من العمل الدؤوب ليل نهار في أيام الدوام الرسمي، وفي عطلة نهاية الأسبوع يجيء إلى منزله بالرياض لتفقد أبنائه، والوقوف على سيرهم الدراسي، وهكذا دواليك. وفي الليلة التي وقع فيها قدر الله سبحانه وتعالى على أبناء أخي وصديقي معالي الدكتور إسماعيل البشري وصلني طرف من أخبار تلك الفاجعة الأليمة عند منتصف الليل، فنزلت عليّ نزول الصاعقة، وفكرت في الاتصال به، أو بأحد الأصدقاء القريبين منه وأنا بين مصدق ومكذب للخبر، ولكنني تهيّبت لعظم الفاجعة، وفداحة المصيبة، وبقيت طوال ليلي بين الخوف والرجاء حتى إذا أصبح الصباح، وتأكد لي الخبر من أكثر من جهة، وتوالت عليّ الاتصالات من عشرات الأصدقاء متسائلين ومستفسرين ومعزين لبعضنا بعضا لم يعد أمامي إلا التسليم بقضاء الله وقدره والرثاء لأخي الدكتور إسماعيل، والتفكير في حاله بعد فقدانه فلذات كبده دفعة واحدة أمام عينيه، وفي حالة مأساوية قلّ حدوثها، واحترت كما احتار غيري من أصدقائه فيما نفعل غير الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى بأن يرأف بحاله وحال أسرته، وأن يلبسه الشجاعة والصبر على ما أصابه، والقبول بقضاء الله وقدره. ومرّ اليوم بطيئاً وكئيباً حتى إذا حانت اللحظات التي قُدّر لنا فيها رؤية الصديق إسماعيل البشري، وهو يودع أبناءه بعد الصلاة عليهم في جامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض هالني ذلك الحشد الكبير الذين غصّ بهم الجامع، ومنهم أصدقاء ومعارف وزملاء ما رأيتهم من عشرين عاماً بمن فيهم معظم أعضاء مجلس الشورى من مختلف دوراته، وكبار موظفي وزارة التعليم العالي، وأساتذة الجامعات، ومن ذوي الرتب العسكرية العليا، وغيرهم من معارف الدكتور إسماعيل وأقاربه وأصدقائه وأحبّائه. أما في بيته فقد تقاطر إليه المعزون من كل حدب وصوب في حشد ما رأيت مثله في أي عزاء آخر لأناس من أقران الدكتور إسماعيل البشري، أو من أهل طبقته. وكان على رأس هؤلاء المعزين سمو الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم، وسمو الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني، وأمير منطقة الرياض سمو الأمير خالد بن بندر، وعدد آخر من أصحاب السمو الأمراء، وأصحاب المعالي الوزراء ونوابهم، وكبار موظفي الدولة، وعامة الناس الذين غصت بهم وبسياراتهم الشوارع، وعلى مسافة امتدت إلى ما يقارب كيلو متر، وتلقى اتصالات تعزية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومن ولي العهد سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وولي ولي العهد سمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء. وعزاه حضوريًّا في بيته آخرون من الإمارات العربية المتحدة على رأسهم سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة حاكم الشارقة، وولي عهده، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة. كل هذا الحشد الهائل من المعزّين، وما كتب عن مأساته في الصحافة ونشر في المواقع الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وإعلانات التعزية والمواساة التي نشرت في الصحف كل ذلك يدل دلالة أكيدة على محبة الناس للدكتور إسماعيل البشري، وتلك علامة إن شاء الله على محبة الله سبحانه وتعالى له كما في الحديث النبوي الصحيح. ويكفي هذا عزاء لأخينا وحبيبنا معالي الدكتور إسماعيل البشري في فلذات كبده الذين آمل أن يحتسبهم عند الله، وأن يعوضه عنهم خيراً، ويجبر مصابه، ومصاب أسرته، وأن يجعلهم جميعاً لوالديهم ذخراً في الجنة، وأن يحشرهم مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.