تعرفون طبعاً وجود ما يسمى بحقوق الإبداع أو "الملكية الفكرية" .. هذا المفهوم تطور في المجتمعات الغربية لدرجة أصبح الأفراد ناهيك عن الشركات ومعامل البحث تسارع لتسجيل حقوق أي ابتكار مهما كان صغيراً أو كبيراً (على قاعدة إن لم تنجح في استغلاله، ستنجح في بيعه أو مقاضاة الآخرين حوله)!! وعلى نفس السياق.. كما أصبح للعقول حقوق فكرية، أرى اليوم إرهاصات تسجيل لحقوق جسدية تعتمد على تفرد خارطتنا الوراثية.. فأنا وأنت ناهيك عن العباقرة والمشاهير ونجوم السينما نملك صفات وراثية وخارطة جينية يفترض حمايتها من السرقة والتلاعب (أو ربما الاستفاده منها بالبيع أو الاستنساخ).. وبناء عليه ظهرت في أمريكا مراكز تسمح لكل إنسان بحفظ جيناته الوراثية وتحمل مسؤولية خارطته الوراثية (على قاعدة بهجت الأباصيري في مدرسة المشاغبين: كل واحد يخلي باله من لغاليغُه)... وقبل ظهور هذا التوجه ظهرت بالفعل بنوك للنطف والبويضات خاصة بأغراض التلقيح (التابعة لعيادات الإخصاب). وفي حين يظل المصدر مجهولاً لمعظم الزبائن، يشترط البعض صراحة الحصول على نطف وبويضات ذات مواصفات عقلية وجسدية مميزة (كأن يكون المتبرع أستاذاً في جامعة، أو بطلاً في كمال الأجسام، أو ممثلاً يتمتع بوسامة خارقة)!! ... أضف لذلك يمكن حالياً استخراج مورثات الجنسين من أعضاء وإفرازات الجسد كالجلد واللعاب والشعر والأظافر... وأذكر شخصياً أن موقعe-bay نظم على الانترنت مزاداً لبيع مورثات خاصة بحاكم كاليفورنيا السابق النجم السينمائي أرنولد شوازنيجر.. فقد عرض أحد الأعضاء مادة للبيع تحت اسم "حامض نووي من شوازينيجر" وبدأ المزاد بألف دولار (والحامض النووي هو المسؤول عن حمل صفاتنا الوراثية ونقلها من جيل لآخر).. وحسب المعلومات التي أوردها في الموقع فإن هذه "المادة" ليست أكثر من حبة سعال كان المسكين يمصها قبل أن يرميها في سلة المهملات ويلتقطها أحد المعجبين دون علمه (وتم بيعها على أساس إمكانية استخلاص مورثات شوارزنيجر من بقايا لعابه وربما استنساخه مستقبلا)!! أما الأسوأ من هذه الحادثة فالخطيئة التي وقع فيها بطل التنس السويدي بوريس بيكر أثناء مشاركته في بطولة ويمبلدون عام 1999. فبعد إحدى المباريات لحقته الى غرفة الملابس فتاة تدعى انجيلا إيرماكوفا تمكنت من إغرائه وجمعت (بدون علمه) مايكفي من حيواناته المنوية وسلمتها للمافيا الروسية.. "المافيا الروسية" بدورها وزعت هذه العينة على عدد من العاهرات للإنجاب منه وابتزاز اللاعب الشهير ب(أطفال الأنابيب)!! مثل هذه الحوادث (ناهيك عن انتشار بنوك التلقيح منذ السبعينات) عجلت بظهور بنوك خاصة بالملكية الوراثية ظهر أولها في سان فرانسسكو عام 2006 .. وهي لا تهدف فقط الى حماية المشاهير من ادعاءات القرابة والنسب، بل والعودة إليها في حال أصيبوا بمرض يتطلب استعادة شيء من شفراتهم الوراثية (ناهيك عن إيمان معظمهم بإمكانية استنساخهم بعد وفاتهم من خلال هذه العينات)!! أيها السادة.. صحيح ان الأمر قد لا يهم غير الأثرياء والمشاهير.. وصحيح أيضا أن معظمنا لو خُير بخلقته ما استنسخها مجدداً.. ولكن هذا لا يلغي حقيقة أننا مقدمون على مرحلة يجب فيها على كل إنسان الانتباه فعلاً إلى "لغاليغه".. بكافة أشكالها..