يفترض ان يتخذ الحوار المعلن منذ فترة بين الحكومة والمعارضة في فنزويلا طابعا عملياً بعد ان لين الرئيس نيكولا مادورو موقفه نزولا عند ضغط حلفائه في منظمة "اوناسور" أو اتحاد دول اميركا الجنوبية. واعتبر المحلل السياسي جون مغدالينو في حديث مع وكالة الأنباء الفرنسية ان "أحد العوامل التي دفعت بالحكومة الى فتح حوار مهما كان الثمن هو على الارجح الضغط الدولي العائد الى السمعة السيئة المتنامية للسلطات والناجمة عن قمع التظاهرات". ويواجه نيكولا مادورو الذي لم ينتخب في ظروف عادية في أبريل بعد وفاة عرابه هوغو تشافيز، منذ بداية فبراير تظاهرات اتسمت احيانا بالعنف، بدأها الطلاب وواكبتهم فيها المعارضة احتجاجا على سوء ادارة الوضع الاقتصادي وانعدام الامن والقمع البوليسي. واسفرت اعمال العنف على هامش تلك التعبئة رسميا عن سقوط 39 قتيلا، معظمهم بالرصاص واكثر من 600 جريح، وفتح حوالى مئة تحقيق بحق عناصر قوات الامن المشتبه في تورطها في انتهاك حقوق الانسان. واضاف جون مغدالينو انه اذا كان "الضغط الدولي" لا شك فيه لتفسير تغيير موقف مادورو فان "ضغوطا محتملة داخل التيار التشافي (الموروث عن هوغو تشافيز) ليست مستبعدة لكن من الصعب قراءتها بوضوح". ولم يتسن اجراء الحوار بعد اسابيع من الدعوة اليه ذلك ان المعارضة كانت ترفض المشاركة في ما تسميه "مهزلة" او "مونولوغ" (حديث فردي) بينما لم يتوقف نيكولا مادورو عن شتم معارضيه ووصفهم ب"الفاشيين" و"الانقلابيين". وبالنهاية وافق الطرفان على لقاء بفضل جهود اتحاد دول اميركا الجنوبية (اوناسور) المنظمة الاقليمية التي تضم 12 دولة من اميركا اللاتينية والتي نشأت في 2008 وتجمع عدة حلفاء قريبين جدا من فنزويلا التشافية، مثل الاكوادور وبوليفيا. وتحديدا كان وزير الخارجية الاكوادوري ريكاردو باتينيو هو من اعلن عقد اول "اجتماع تمهيدي" بين اعضاء من الحكومة بمن فيهم مادورو ووفد من الائتلاف المعارض "طاولة الوحدة الديمقراطية". ورغم ان عناصر من المعارضة الراديكالية الفنزويلية طعنت في شرعية اوناسور، واخذت عليها قربها الكبير من كراكاس، اعتبر وزير الخارجية التشيلي هيرلدو مونيوس الاسبوع الماضي ان "اصدقاء الخارج هم من يستطيعون المساهمة" في تهدئة الوضع في "بلد شقيق" يخضع الى استقطاب سياسي شديد بين انصار ومعارضي "التشافية". من جانب اخر اعرب وزير الخارجية البرازيلي ليوز البرتو فيغيريدو عن ارتياحه لان "العمل المتكتم" الذي قامت به بلاده لدى كراكاس "اوتي ثماره" وان الطرفين طلبا حضور وسيط برازيلي في الحوار. واتفق الطرفان عقب اجتماع الثلاثاء على تعيين ثلاثة وزراء خارجية كمراقبين (البرازيل وكولومبيا والادوادور) من اوناسور والامين العام لدولة الفاتيكان بييترو بارولين. وفي سياق ذلك اعلن مادورو ان "حوار السلام" سيبدأ "الخميس" في قصر ميرافلوريس الرئاسي لكنه حذر من انه لن يكون هناك "اي تفاوض" حول النموذج الاشتراكي الفنزويلي. من جانبه قال انريكي كبريليس حاكم ولاية ميرندا (شمال) والمرشح مرتين الى الانتخابات الرئاسية باسم ائتلاف طاولة الوحدة الديمقراطية "اعلن لشعبنا انني ساذهب غدا للدفاع عن الحقيقة لان الحقيقة لا تخيف ولا تهين". وفي حين لين الرئيس موقفه بالموافقة على بعض مطالب خصومه (تعيين مراقب محايد، وشفافية النقاشات...) عدلت المعارضة التي كانت حتى الايام الاخيرة ترفض المشاركة، موقفها فلم تعد على سبيل المثال تشترط مسبقا الافراج عن الموقوفين خلال شهري الاحتجاجات الاخيرة والمتهمين بتأجيج العنف. ومن بين هؤلاء ثلاثة معارضين سياسيين -اثنان من رؤساء البلديات وزعيم متطرف من حزب الارادة الشعبية (يمين) ليبولدو لوبيس. ويرى المحلل جون مغدالينو ان المعارضة المعتدلة وافقت بالنهاية على الحوار مع الامل في "ان تطرح على النقاش العام بعض المواضيع" التي توليها اهمية خاصة. غير ان المحلل يشكك بنتيجة هذا "الحوار" الرمزي غير المسبوق في عهد نيكولا مادورو، مؤكدا ان كل شيء مرهون باجندة المناقشات التي ما زال يصعب على الاطراف التوافق حولها. وزراء خارجية الإكوادور وكولومبيا والبرازيل أثناء اجتماعهم في كراكاس (رويترز)