إذا كانت الظواهر المناخية القصوى تعد مشكلة حقيقية بالنسبة إلى كثيرمن السكان، الذين يعنون بصوغ السياسات العمرانية، فإن المتخصصين في شؤون الآثار الفرنسيين ينظرون إليها باعتبارها نعمة، فقد لاحظوا في السنوات الأخيرة أن غضب الطبيعة عبر السيول الغزيرة والعنيفة أو العواصف البحرية العاتية أصبح يساعدهم على الكشف عن آثار ما كان بالإمكان العثور عليها من قبل لعدة أسباب أهمها تقلص الموارد المالية التي تخصصها الدولة للتنقيب عن الآثار. ويستدل المتخصصون الفرنسيون في علم الآثار على هذه القناعة التي أصبحت عندهم اليوم بصندوق صغير مصنوع من الخزف يحتوي على رماد عظام تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، أي إلى العصر الحديدي، حيث عثر سائح على هذه المرمدة عند أسفل معلم سياحي طبيعي فرنسي يسمى " كثيب رمل بيلا" الذي يفصل بين غابة من الصنوبر والمحيط الأطلسي في حوض أركاشون الواقع في جنوبفرنسا الغربي، وهو أعلى كثيب رملي في أوروبا كلها حيث يتراوح ارتفاعه بين مائة ومائة وسبعة عشر مترا، ويحتوي على قرابة ستين مليون متر مكعب من الرمال. لقد عثر السائح إذا على تلك المرمدة في مكان كانت تكسوه الرمال من قبل، ولكن العواصف الشديدة غير المعهودة في المحيط الأطلسي دفعت أمواج المحيط الأطلسي إلى استرداد جزء من هذا الكثيب، ودفعت جزء الكثيب المشرف على اليابسة على اكتساح مواقع لم يكن يكتسحها من قبل، حيث سمحت هذه العملية بالكشف عن المرمدة التي يجمع كل الذين عاينوها من خبراء الآثار أن لديها قيمة علمية كبيرة. لا بد من الإشارة إلى أن المنقبين عن الآثار في المنطقة كانوا قد عثروا خلال الشتاء الماضي تحت الكثيب - بفعل العواصف أو بفضلها- على مؤشرات كثيرة تصب كلها في مصب واحد هو إمكانية وجود مقبرة كبيرة تحت الكثيب تعود إلى العصر الحديدي حيث كان السكان في حوض أركاشون وفي مناطق كثيرة أخرى يحرقون موتاهم ويحفظون رمادهم في أوان وصناديق مصنوعة أساساً من الخزف، وهو حال المرمدة التي عثر عليها السائح قبل أيام، إذ يسعى المهتمون بالبحث عن هذه المقبرة إلى التنقيب بسرعة قرب المكان الذي عثر فيه على المرمدة حتى لا تغطيها رمال جديدة يقذفها المحيط عند أسفل الكثيب خلال فترات المد أو يقتطعها من الكثيب خلال فترات الجزر.