ما زالت كتب الرحلات معيناً للباحثين في تاريخ الجزيرة العربية ولا شك أن الترجمة قنطرة حضارية لنقل الثقافة من لغة إلى لغة ويعاني الباحث أحادي اللغة خاصة من قصور الترجمة العربية على الرغم من وجود بعض المشاريع والمبادرات الجميلة في مصر وسورية ولبنان وأخيراً الإمارات بمشروع (كلمة) الرائد ليس على مستوى الخليج بل على مستوى العالم العربي والذي يسنده مشروع آخر هو سلسلة (رواد المشرق العربي) المتخصصة في الرحلات والتي ترجمت عددا كبيرا من كتب الرحلات إلى الجزيرة العربية والرحلات عبر الخليج العربي ومنها كتاب (حج إلى ربوع نجد: مهد قبائل العرب 1878 1879م) للرحالة البريطانية آن بلنت التي كانت أول امرأة أوروبية تغامر باقتحام مفاوز صحراء النفود وتتحمل مشاق السفر ومخاطر الترحال على الإبل حتى أنها تعرضت هي وزوجها إلى غزو كاد يكلفهما حياتهما. وآن بلنت كما جاء في الكتاب سليلة أسرة نبيلة تميزت بكونها أديبة تتقن فن الوصف والتشويق ولكونها واقعية موضوعية ذات شخصية جذابة وفريدة وكان زوجها ولفريد سكاون بلنت نبيلاً إنكليزياً رحالة مثلها تماماً بل وشاعراً وديبلوماسياً كرّس حياته للشعر والأدب والسياسة. لقد جمع الترحال والأدب والتعلق بالشرق والدراسات الشرقية بين الزوجين في رحلتين متتاليتين الأولى إلى الجزيرة الفراتية وبادية الشام ودونت آن بلنت أحداثها في كتاب (عشائر بدو الفرات) والرحلة الثانية كانت إلى شمال نجد وجبل شمر وسجلت أحداثها في الكتاب الذي أشرنا إليه قبل ذلك (حج إلى ربوع نجد) ولعل أول محاولة لترجمة هذه الرحلة إلى اللغة العربية ما قام به الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في زمن مبكر حيث نشر فصول من هذه الرحلة بترجمة محمد أنعم غالب على حلقات متتابعة في مجلة اليمامة في سنة 1380ه/1960م على أمل جمعها في كتاب يضم ترجمة كاملة لتلك الرحلة ولكن الترجمة لم تكتمل مما دفعه إلى جمع تلك الفصول التي ضمت خلاصة عن بلاد نجد لا تمثل بالكاد ربع الكتاب ونشرها في كتاب عنوانه (رحلة إلى بلاد نجد) وذلك ضمن منشورات دار اليمامة سنة 1386ه/1967م. وما بين ترجمة اليمامة للرحلة وترجمة سلسلة رواد المشرق العربي ربما يكون صدر ترجمات أخرى ولكن هذه الترجمة الأخيرة تضم ترجمة كاملة لرحلة بلنت إلى نجد وألحق بها تتمة لرحلتها إلى إيران مع ملاحق ولفريد سكاون بلنت عن جغرافيا شمال الجزيرة وعن تاريخ الدعوة السلفية ومشروع سكة حديد وادي الفرات كما أضاف المترجم في سبيل تدقيق المعلومات الواردة في الكتاب فصلين آخرين أولهما: عن السيرة التاريخية لعشيرة الرولة التي سافر الزوجان تحت حماية شيخهم، والثاني: عن تاريخ آل عروج بتدمر كما حقق المترجم أسماء الأعلام والأماكن وأرسان الخيل واجتهد بنقل المفردات الطبوغرافية بمنطوقها البدوي كذلك أرفق النص بمجموعة من الرسوم القديمة النادرة. والحقيقة إن خدمة المترجم للكتاب لا تتوقف عند ترجمة النص الذي يفترض فيها الدقة والأمانة بل بما يضيفه أيضاً من أبعاد ومعلومات تخدم القارئ وتدل على معرفة المترجم وسعة اطلاعه وتخصصه فيما يترجم وهذا ما تتميز به سلسلة رواد المشرق التي لا ينقصها إلا فهارس الأعلام والأماكن التي يجب أن لا يهملوها في إصداراتهم القادمة. وختاماً فإن رحلة بلنت رحلة شائقة كتبت بأسلوب ممتع وتضمنت معلومات مهمة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الجزيرة العربية عموماً وفي شمال نجد خصوصاً وهي معلومات مفيدة للباحثين والقراء على حد سواء.