لم يكن قرار تعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز -حفظه الله- ولياً لولي العهد قراراً مفاجئاً لي بشكل كبير؛ إذ عودتنا قيادة هذه البلاد أن تضرب المثل في صناعة القرار الوطني الذي يحفظ للبلاد وحدتها وتماسكها بتجديد التأكيد على ثوابتها، والحفاظ على حالة الإجماع الوطني داخلها بما يُعلي من قيمة المصلحة الوطنية ويحافظ على المكتسبات، ويؤسس في ذات الوقت لمستقبل مستقر قوامه مصلحة الوطن والمواطن بين إقليم وعالم تملؤه الاضطرابات والتحولات. فما قامت به هيئة البيعة من اختيار الأمير مقرن ولياً لولي العهد إنما هو إرساء لقواعد جديدة لتداول السلطة في النظم الملكية؛ إذ يؤسس هذا الاختيار لترسيخ التسلسل القيادي للمواقع الأولى في السلطة بوضوح، وهو ما يدعم الاستقرار السياسي ويثبِّت دعائمه، ويوضح التوجهات المستقبلية وأولوياتها. وهذا الاختيار يعكس في حقيقته عدة أمور أهمها: حالة التوافق والانسجام داخل القيادة السعودية، والتي أنبأت عنها اختياراتها المستقبلية، إلى جانب التأكيد على ثوابت وأولويات السياسة الداخلية والخارجية للمملكة، لذا كان الاختيار ضرورة وطنية وضعت حالة الإجماع الوطني في مسارها الصحيح. واختيار سموه كولي لولي العهد اختيار كانت له منطلقات وحيثيات؛ فالأمير يكشف تاريخه عن سجل مشرَّف يكتظ بعطاء وطني متجدد، وإنجازات رفيعة المستوى، تنبئ عن حكمة وعمق واخلاص، ووعي وإدراك لمستجدات الأمور، وحرص واضح على ما ينفع الناس في دينهم وحياتهم، فهو من تربى على صفات القيادة وتحمل المسؤولية، وإعلاء قيمة العمل، هذه الصفات هي التي جعلت منه موضعاً للمسؤوليات الهامة والمهام الصعبة، وهو ما جعله يحظى بدعم وتأييد لقرار اختياره ولياً لولي العهد، في مباركة رموز المجتمع الدينية والاجتماعية والاقتصادية لهذا القرار. وسمو الأمير مقرن هو رجل دولة من فئة خاصة؛ فئة تستطيع أن تجمع بين الكفاءة والقدرة الإدارية؛ وبين محبة الناس وتقديرهم، فرغم أنه تبوأ أكثر من موقع داخل النظام المؤسسي للدولة، واقترن اسمه بمهام وملفات هامة، وإجادته في أكثر من موقع؛ فلم يعرف عنه في كل ذلك سوى كفاءته، وتواضعه وحسن خلقه وفضائله. إن قرار تعيين سمو الأمير مقرن ولياً لولي العهد يأتي والمنطقة والعالم يمران بتحولات هامة ومنعطفات سياسية خطيرة، وسط صياغات متجددة للنظام العالمي وتحولات في سياسات الدول الكبرى تجاه المنطقة التي تشهد توترات في كثير من دولها. ووسط هذا الزخم يأتي القرار ليزيد من فاعلية الدور السعودي السياسي الصاعد على مستوى السياسة الخارجية الاقليمية والعالمية والمرتكز على رؤية واضحة تحكمها المصلحة الوطنية، ويدفع القرار في اتجاه تعزيز المكانة الاقتصادية للاقتصاد السعودي في ظل وضوح الرؤية وثبات التوجه، وهو ما يزيد من التوقعات بزيادة فرص الاستثمار الآمن في المملكة. إنني إذ أتقدم بالتهاني والتبريكات لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز بمناسبة اختياره ولياً لولي العهد؛ فإنني أدعو الله أن يمده بعونه وتوفيقه في ظل قيادة حكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظهم الله جميعاً-. وختاماً فإن اختيار الأمير مقرن ولياً لولي العهد يؤكد حرص خادم الحرمين الشريفين ورؤيته الثاقبة لما فيه ضمان استقرار هذه البلاد ووحدتها وثبات مسارها بعيداً عن الحاقدين والمتربصين. حفظ الله قيادة هذه البلاد ووفقها إلى ما فيه خير البلاد والعباد.