"عندما يتحدث إليك الناس يخرج من أفواههم قطع من هيجل وهايدجر أو ماركس، في حالة أولية غير مصاغة جيداً.." كان هذا جزء من حديث "علي عزت بيجوفيتش"، عن من يظنون أن القراءة المبالغ فيها تخلق الذكاء أو حتى توسع المدارك وتنهض بالوعي، وذلك ليس صحيحا بالضرورة فهنالك قراء أشبه بدود الورق، إلا أنك ما أن تتحدث معهم أو حتى تحاورهم حتى تدرك أن دوداً من نوع آخر يعيث في عقولهم فساداً وخرابا. لست اقلل من أهمية القراءة ولا أجرؤ على ذلك اصلاً، ولكني اؤمن أن القراءة وحدها ليست كل شيء، فهنالك اشخاص لا يُعرف عنهم القراءة النهمة وبعضهم يجهل فك الخطوط ولكن عقولهم يتفتق منها وعي جميل وعفوي وأرواحهم متنبهة، يلتقطون من الأحاديث العامة حكمة، ويقرأون مشاهد الحياة بعمق، يكتسبون المعرفة والعلم من كل المصادر، تجدهم يتفكرون يتأملون، يحللون ويسألون..! ولأنهم قلة فان الحرص على القراءة فيه عزاء للجميع. أعود لقطع الحكماء والعلماء التي تخرج من أفواه الناس، وتكتب على صفحاتهم، ويتداولونها في فكرهم.. وتشكل بعضها عقيدة حياة معتنقة يظن آثماً معتنقها أنها تنطبق عليه لا محالة، فعلى سبيل الذكر الحكمة التي تقول: "لا تُقذف إلا الشجرة المثمرة" وهي حقيقة، ولكن الزيف هو الاعتقاد بأن كل من ناصبه الناس العداء هو ناجح ومتميز..! إنه الوهم، الجهل الجميل، الذي يزخرف البشاعة لتبدو جميلة ومقبولة.. فكما يقول المتنبي: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم هذه الحكم التي باتت متناقلة بشكل هائل خصوصاً بعد انتشار المواقع الاجتماعية الافتراضية أصبحت كالتحايا بين الناس، دون وعي بل في أغلب الأحيان بجهل وسذاجة، إلا أنها عقائد خطيرة قد تُحمّل المرء مالا يطيقه، قرأت ذات يوم: "لا تذهب حيث تأخذك الحياة بل خذ الحياة إلى حيث تذهب" جميل جدا أن اضع الحياة في جيب محفظتي بجانب البطاقة الائتمانية واتصرف بها كما يحلو لي برقم سري من اختياري. جميلة هذه المقولة لو كانت إعلانا تسويقيا لهاتف ذكي، أو حتى شعار ترويجي لخطوط طيران، لكنها ليست جميلة بالنسبة لإنسان بسيط وعادي، فالحياة حرب لا هدنة فيها ومن يمتلك القدرة على أخذ الحرب الى حيث يرتجي فانه بلا شك يملك جيشا عرمرما من القوة والسلطة والكثير من الحظ.. وباعتقادي من يمتلك كل ذلك قلة لا يراهن على عددهم. الحكم والاقوال فضفاضة، المناسب لنا منها هو ما كان بقياساتنا، وكما المكتبات الفضفاضة بأرففها المثقلة بالكتب ليست دليلا على ثقافتنا ووعينا. فالثوب الفضفاض ثوب عثرة!