«خروف بالتقسيط»، أو «خروف البنك»، أو «كبش القرض».. هكذا يسمي الناس هنا في المغرب أضحية العيد التي يشتريها الموظف البسيط..والسبب هو أن هذا الموظف ونظرا لقدرته الشرائية الضعيفة يلتجئ إلى الاقتراض من البنك المبلغ المطلوب لشراء الأضحية في مقابل أن يقتطع البنك من أجرته الشهرية مبلغا معينا لا يؤثر كثيرا على ميزانيته الشهرية لا يتجاوز في الغالب 150 درهما على مر 10 شهور مثلا. هذه التسهيلات في الأداء يتقبلها الموظفون بفرح كبير، كيف لا وهي تشكل بالنسبة إليهم «مخرجا» حقيقيا من المأزق الذي تضعهم فيه ضعف قدرتهم الشرائية كلما حل عيد الأضحى المبارك. في المغرب لعيد الأضحى المبارك «أهمية» كبيرة في نفوس الناس..ويظهر ارتباط عامة الناس بهذه المناسبة الدينية في عدة مظاهر وطقوس اجتماعية مألوفة، وذلك انطلاقا من الاستعدادات التي تأتيها سيدة البيت من اقتناء للأواني المطلوبة لهذه المناسبة وما يلزم من التوابل وربما حتى استبدال بعض أثاث المنزل بالنسبة إلى الأسر الميسورة بعض الشيء، مرورا بالاستعداد المبكر لرب البيت على المستوى المادي، وانتهاء بالأبناء الذين ينتظرون ذلك اليوم الذي سوف يدخل عليهم الأب الخروف الذي سوف يفاخرون به أقرانهم..وإن كان في الواقع مسألة الفخر هذه لا تقتصر على الأبناء وحدهم بل تتجاوزهم إلى الآباء أنفسهم وخاصة الأمهات. وفي المغرب النساء لا يقبلن من الرجل إلا أن يأتيهن بخروف كبير أملح وأقرن وإلا فليهيئ نفسه لمشاكل لا حصر لها قد تصل إلى درجة الطلاق!! هذه «الأهمية» لكبش الأضحية عند الأسر المغربية تضع الموظف في مأزق كبير..فهو من ناحية لا يملك إلا راتبا شهريا (الموظف البسيط 2000 درهم، والمتوسط 3500 إلى 4500درهم) لا يكفيه في التغلب على المصاريف المألوفة (الموظف المغربي عادة ما يكمل مصاريف الشهر بالديون) فكيف إذا كان مطلوبا منه إضافة إلى ذلك شراء خروف الأضحية بمبلغ يتراوح ما بين 1500 إلى 4000 درهم؟! لكن من ناحية ثانية ورغم ضعف قدرته الشرائية لا يستطيع الموظف ألا يشتري خروف العيد وإلا سوف يعرض نفسه لوابل من المشاكل مع العائلة والزوجة والأبناء وكل المحيطين به..فقد تنشز الزوجة وتهرب إلى بيت أبيها وقد يغضب أهلها كما قد يصاب الأبناء بعقد نفسية! منذ حوالي خمس سنوات تقريبا اهتدت مجموعة من البنوك إلى وسيلة «مساعدة» للموظف في «محنته» مع أضحية العيد. فعمدت إلى الإعلان عن منح قروض إلى الموظفين بهذه المناسبة في مقابل اقتطاع بسيط شهريا لا يؤثر كثيرا على أجرة الموظف البسيطة أو المتوسطة. هذا «الفرج البنكي» هلل له الموظفون المغاربة صغيرهم ومتوسطهم، ورأوا فيه مخرجا مقبولا من «أزمة العيد» السنوية فتهافتوا على هذه العروض يتلقونها بالكثير من الترحاب. فعلى شاشات التلفزة، في الشوارع الرئيسية كما على جدران البنايات الضخمة.. هناك إعلانات إشهارية تدعو من خلالها البنوك الموظفين إلى الاستفادة من عروضها بمناسبة عيد الأضحى المبارك..هذه الإعلانات «المغرية» تعرض في هذه الأماكن طيلة شهر كامل قبل حلول يوم العيد. محمد (ل) الموظف بإحدى المؤسسات ذات العلاقة بميدان الاتصال (متزوج وأب لطفل واحد) يرى في هذه القروض «رحمة إلهية» للموظفين من أمثاله..«السنة الماضية فقط وفي مثل هذه المناسبة كدت أن أطلق زوجتي..والسبب إصرارها على خروف بمواصفات جيدة في الوقت الذي تعلم فيه أن أجرتي الشهرية لا تسمح لي بذلك (يتقاضى 3700 درهم)، اقترحت عليها أن نقضي هذه المناسبة مع أهلي فرفضت وشكت الأمر إلى والديها فجعلوا من الأمر مشكلة عائلية، طلبوا مني أن أطلقها إن كنت غير قادر على أن أشتري لها كبش العيد..والحقيقة أنني لم أجد مخرجا إلا في هذه القروض التي تمنحها البنوك بهذه المناسبة». الحسين (ص) وهو إطار في أحد البنوك يعتبر من جهته أن ما تقدمه هذه المؤسسات المالية عمل جيد يساعد الموظف البسيط والمتوسط في تجاوز «أزمة الأضحية»، ويقول «بالنسبة إلينا العملية هي أساسا إنسانية ولا تروم الربح المادي، نحن نريد أن نظهر لزبائننا أن المؤسسات البنكية من الممكن أن تساعد على حل المشاكل الاجتماعية».