مرض الزهايمر، مرض يصيب الجهاز العصبي عند كبار السن الذين تجاوزوا سن 65 سنة ولكنه في بعض الحالات قد يصيب مرضى في سن أصغر. وهو أحد الأمراض العصبية التنكسية ويسبب ضعف الذاكرة الذي يزداد تدريجيا، ومع تقدم المرض تظهر مظاهر أخرى للمرض بسبب تدهور وتنكس خلايا الجهاز العصبي المركزي. ومرضى الزهايمر يعانون كثيرا من اضطرابات النوم المختلفة مثل النوم خلال النهار واليقظة خلال الليل وتقطع النوم وعدم انتظامه. ومن هذه الاضطرابات، اضطراب الساعة البيولوجية والتي تسبب تغيرا كبيرا في نمط ونظام النوم والاستيقاظ عند المرضى. حيث يستيقظ المرضى في الليل وينامون في النهار وهذا يسبب لهم ولعائلاتهم العديد من المشاكل، حيث إنه يؤثر على نوم أفراد العائلة ليلا كما أن المريض قد يخرج من المنزل ليلا وأفراد العائلة نائمون ويضل طريقه. وقد تظهر على المرضى علامات التوتر والاضطراب في فترة بعد الظهيرة والمساء. ومن قلة النوم وتشير الأدلة العلمية بشكل متزايد إلى أن اضطراب الساعة البيولوجية بواسطة تغير أنماط التعرض للضوء والظلام وعدم الانتظام في ذلك عند مرضى الزهايمر يترافق مع انخفاض نوعية الحياة وزيادة أعراض المرض. ويتم ضبط الساعة البيولوجية في الجسم كل يوم على مدار الساعة بواسطة مركز تحكم في المخ يعرف باسم نواة التأقلم (SCN). ويستمد مركز التأقلم معلوماته الخارجية التي يحتاجها للمعايرة اليومية للساعة البيولوجية من خلال أنماط الضوء والظلام التي تصل من مستقبلات خاصة في شبكية العين. وهذا الذي يحدد للجسم متى يحتاج أن ينام ومتى يكون نشيطا لأداء وظائف النهار. بدون التعرض للضوء الكافي في أوقات منتظمة يختل عمل مركز التأقلم ويضطرب توقيت النوم عند المصاب. لذلك يتم علاج اضطرابات الساعة البيولوجية عند المرضى من خلال تنظيم التعرض للضوء خلال اليوم والليلة. وسنستعرض في هذا المقال بعض الدراسات المهمة التي ساعدت في فهمنا لاضطرابات الساعة البيولوجية عند مرضى الزهايمر. وقد يظهر المقال علميا لدى البعض ولكني سأحاول طرح الموضوع بأسلوب سهل وميسر. كما أن بعض الدراسات التي سنستعرضها أجريت على حيوانات التجارب ولكنها تساعد في فهم التغيرات التي تحدث عن مرضى الزهايمر. ويستخدم الباحثون حيوانات التجارب لأن بعض التجارب يجب أن تجرى على الحيوانات قبل تطبيقها على الإنسان. وسنستعرض ثلاث دراسات: 1) الدراسة الأولى درست تأثير التعرض للضوء على نوم مرضى الزهايمر 2) الدراسة الثانية تعرضت لعلاقة جينات الساعة البيولوجية بوظائف المخ 3) والدراسة الثالثة بينت عدم قدرة الساعة البيولوجية على التحكم في وظائف الجسم عند مرضى الزهايمر الدراسة الأولى: درس الباحثون نمط التعرض للضوء عند مرضى الزهايمر وتأثير ذلك على نظام نومهم في دراسة نشرت في عام 2009، وأظهرت النتائج أن مرضى الزهايمر يتعرضون للضوء بشكل أقل من قرنائهم من المماثلين لهم في السن غير المصابين بمرض الزهايمر وهذا بدوره يؤثر على ساعتهم البيولوجية. وقد قام الباحثون بقياس توقيت وكمية الضوء الذي يتعرض له مرضى الزهايمر خلال 24 ساعة بواسطة جهاز صغير ثبت في ياقة القميص وتمت المراقبة بصورة مستمرة لعدة أيام وهذا ما مكن الباحثين من معرفة مكمن الخلل في نمط الضوء/الظلام الذي يتعرض له مريض الزهايمر. بعد ذلك تم نقل المعلومات إلى جهاز الكمبيوتر وتحليلها بشكل مفصل لتحديد نمط التعرض للضوء عند المرضى. وقد وجد الباحثون أن تعرض مرضى الزهايمر للضوء في النهار قليل جدا وخاصة في فصل الشتاء. وقد أظهرت النتائج الأولية أن تعديل التعرض للضوء عند هذه الفئة من المرضى بحيث يكون هناك تعرض للضوء في النهار حسن من نمط النوم عند مرضى الزهايمر. نتائج هذه الدراسة مهمة كذلك لكبار السن من غير المصابين بالزهايمر، حيث إن كثيرا من كبار السن يبقون داخل المنزل طوال النهار ولا يتعرضون للضوء بشكل كاف مما ينتج عنه اضطرابا في الساعة البيولوجية لأن مركز التأقلم في المخ لا تصل إليه إشارات كافية لمعايرة الساعة البيولوجية وهذا يسبب اختلالا في نمط النوم عند فئة من كبار السن. لذلك يعتبر التعرض للضوء الخارجي في النهار أمرا ضروريا لضبط الساعة البيولوجية. الدراسة الثانية: دراسة جديدة نشرت في شهر ديسمبر 2013 في مجلة (J Clin Investigation)، قام بها باحثون من جامعتي واشنطن وبنسيلفلنيا على فئران التجارب أظهرت أهمية جديدة للانتظام في مواعيد النوم والاستيقاظ. فقد درس الباحثون فئران التجارب التي تم تعطيل أحد الجينات المسؤولة عن الإيقاع اليومي (الساعة البيولوجية) (BMAL1) بها، وهذا الجين مسؤول عن تنظيم الإيقاع اليومي لكثير من وظائف الجسم وكذلك مواعيد النوم والاستيقاظ، وأظهرت النتائج أن الفئران التي عطل لديها جين BMAL1 حدثت لديها تغيرات في خلايا المخ تشبه التغيرات التي تحدث في خلايا المخ عند مرضى الزهايمر، وعند البحث عن السبب، توصل الباحثون أن سبب التغيرات في خلايا المخ يعود إلى ارتفاع مستوى المواد المؤكسدة في خلايا المخ مما يسبب عطبها. حيث اتضح للباحثين أن جين BMAL1 مسؤول عن زيادة مستوى وفعالية الآليات المضادة للأكسدة وأن هذه الآلية تزداد خلال النوم. هذه الدراسة تظهر أهمية جديدة للنوم الكافي خلال الليل وتفتح آفاقا بحثية جديدة لطرق الوقاية من مرض الزهايمر وأمراض الجهاز العصبي التنكسية الأخرى. الدراسة الثالثة: وفي الدراسة الثالثة التي نشرت هذا الشهر (مارس 2014) في مجلة Disease Models & Mechanisms ، قام باحثون من جامعة كامبريدج البريطانية بتطوير نموذج لذبابة الفاكهة مصاب بمرض الزهايمر. وذبابة الفاكهة تتشابه كثيرا في ساعتها البيولوجية من الساعة البيولوجية عند الإنسان، لذلك يستخدمها الباحثون عند إجراء اختبارات على الساعة البيولوجية. ودرس الباحثون العلاقة بين وظائف الجسم والساعة البيولوجية عند نماذج الذبابة المصابة بمرض الزهايمر. وتعتبر هذه الدراسة كشف علمي مهم ساعدنا في فهم اضطرابات النوم عند مرضى الزهايمر. وقد قارن الباحثون بين نظام النوم ونشاط الساعة البيولوجية عند عينتين من ذباب الفاكهة، العينة الأولى سليمة والثانية مصابة بمرض الزهايمر. ووجد الباحثون أن العينة السليمة كانت نشيطة في النهار وتنام في الليل في حين كان نظام النوم واليقظة والنشاط عشوائيا عند العينة المصابة بمرض الزهايمر. الجديد والمثير في الدراسة الجديدة أن النتائج أظهرت أن الساعة البيولوجية كانت تعمل بإيقاع طبيعي عند العينة المصابة بمرض الزهايمر، مما يعني أن اضطراب الساعة البيولوجية عند مرضى الزهايمر ليس بالضرورة نتيجة خلل في عمل الساعة البيولوجية، ولكنه قد يكون بسبب خلل يمنع الساعة البيولوجية عند مرضى الزهايمر من تنظيم والتحكم في وظائف الجسم الليلية والنهارية. نتائج هذه الدراسة تعطي الباحثين والمعالجين رؤية جديدة لابتكار طرق جديدة لعلاج اضطراب الساعة البيولوجية عند مرضى الزهايمر. فبالإضافة لوجود خل في التعرض للضوء الخارجي عند هذه الفئة من المرضى، يبدو أن التغيرات التنكسية في المخ تؤثر في قدرة الساعة البيولوجية على السيطرة على وظائف الجسم ومنها النوم.