لابد أن أخبار غاز الفوسفيد وقائمة ضحاياه من الأطفال انتشرت في أوساط المجتمع بعد أن نشرت تفاصيلها المحزنة الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، غير ان ذلك لا يكفي لأن معظمنا قد لا يعرف الفرق بين أنواع المبيدات الحشرية ونسبة خطورتها. فبالأمس القريب حكت لي صديقة كانوا يقومون بترميم منزلهم وأرادوا معالجته من النمل الأبيض تجربتهم التي مرت بسلام والحمد لله وقد تكون تكررت لدي آخرين. في البداية تم الاتصال بإحدى شركات مكافحة الحشرات التي يعرفونها وقدّم لهم عرضٌ بثلاثة آلاف ريال ولكن المشرف على أعمال الترميم أراد أن يخدمهم وقال بانه يعرف مهندساً زراعياً يعمل في إحدى المؤسسات الخاصة بهذا المجال وسوف يقوم برش المنزل بنصف السعر. ووافقوا وجاء المختص مع عماله ومعهم "ديريل" -آلة ثقب بطول 7 سنتيمترات- لكي يحفر أرض البيت ويتم رش المكان بمبيد يكافح النمل الأبيض. ومن المعروف أن المبيد يجب أن يصل لمسافة التربة أسفل الصبة مما يحتاح الحفر لمسافة ( 20 – حتى 30 سنتيمتراً) وبآلة تصل لهذا العمق. لذا بدت المعالجة غير مناسبة ولاحظ زوجها بان الرجل يسرد عليه قصة النمل الأبيض بالتفاصيل التاريخية وكأنه يسليه أو يقنعه بجدارته. وبعد أن كان طلب العمل لمدة 4 ساعات كي تكتمل المهمة فاجأهم بالانتهاء بعد أقل من ساعة واحدة ولم تكن كل الغرف معالجة ولا حوش المنزل أيضاً! باختصار أتوا بالشركة المتخصصة التي قامت بالمهمة وبمعدات مناسبة وسليمة. هذه صورة تجعلنا نفكر كم من التفاصيل بمكافحة الحشرات لا ندركها وكم هي إمكانية أن تتم محاولات الغش عن جهل أو طمع فتتسبب في إزهاق أرواح بريئة مثل تلك التي حدثت يرحمهم الله. الآن يعلن ضبط 15 طناً من فوسفيد الألمنيوم بجدة لدى مؤسسات نقل عفش! وصيدلية بيطرية ومستودعات بواسطة استخدام جهاز رصد المواد الكيماوية ITX(ليتهم يوفرون جهاز الرصد كي يستأجره الناس حينما يرشون بيوتهم) وأخرى في الرياض مع حملة تفتيش وتم إغلاق المحلات المخالفة واتخاذ الإجراءات النظامية بحقها وإيقاف ومعاقبة ملاكها وكل من يساعد على تسريبها (عكاظ 17364) وتم التشديد بان الجهات المختصة سوف تواصل جولاتها التفتيشية الدورية على جميع المواقع التجارية والشركات ومؤسسات النظافة التي قد تقوم ببيع هذه المواد المخالفة. وبعودة لبعض قصص الضحايا نلاحظ أن أغلب مصادر تسرب الغاز القاتل جاء من شقق في نفس العمارة أو من بيوت ملاصقة لمنزل تضرر أطفاله كما حدث للطفلين من الدنمارك بأعمار 3 و 7 سنوات حينما تم رش منزل ملاصق لبيتهم بالمبيد في منطقة البساتين! وأطفال آخرين بعدة أحياء بجدة أذكر كتيب توعوي عنهم (مسرة وميسرة) أصابهم الغاز عبر الأنابيب والفتحات والمناور ولم يكن أحد يعلم لأنه بلا رائحة، وعائلة مقيمة أيضا فقدت الأم وابنتها بنفس الأسباب. والملاحظ الحالات لم تعد فردية والمشكلة بان معالجة الحشرات تتطلب إلماماً وتخصصاً ولن يكون بمقدور المواطنين والمقيمين أن يتعاملوا بناء على معرفتهم. لذا تبدو مهمة جهات الاختصاص هي المسؤولة بالدرجة الأولى في توعية وحماية المجتمع من أضرار غاز فوسفيد الألمنيوم وغيره من المبيدات الضارة. وهذه مناسبة نعي فيها حيوية وسائل الإعلام في دورها التوعوي للمجتمع.