اعاد زلزال المحيط الهندي المرعب الذي ضرب مؤخراً العديد من دول جنوب وجنوب شرق آسيا تشكيل العلاقة الوجدانية العميقة بين سكان السواحل الآسيوية والبحر وربما اثار مخاوف سكان سواحل اخرين في اماكن اخرى من العالم من تحول البحر الذي يعتبر صديقا حميما لسكان السواحل الى عدو غادر وقاتل. وقد اضحى البحر الذي كان مصدر رزق للناس ومعينا في المعيشة كابوسا مخيفا لدى الكثير من سكان مدينة هامبانتونا السيرلانكية بعد كارثة زلزال المحيط الهندي وامواج المد العاتية التي أزهقت اعدادا هائلة من ارواح البشر والحقت خسائر مادية ومعنوية فادحة بالعديد من دول جنوب وجنوب شرق اسيا. ونطق ار. جي جايادسا البالغ من العمر 52 عاما مهمهما بكلمة «مقبرة» معبرا عن شعوره الداخلي كلما نظر الى البحر امامه فقد جاء جايادسا مثل الكثيرين غيره الى حافة هذه المدينة الساحلية في جنوب سيرلانكا يوم الثلاثاء لينظر مبحلقا في امواج البحر المتكسرة امامه غير ان هذه المرة كان هنالك حذر نفسي جديد بينه وبين البحر تجاوز الحذر البدني من مخاطره. واشار جايادسا الى حيث اعاد زلزال المحيط الهندي وامواج مده العاتية صياغة علاقته مع سكان اليابسة والى امواج البحر التي اعادت ايضا وربما على نحو دائم تشكيل العهد بين سكان هذه الجزيرة والبحر المحيط بها. وقال مهندس الري دودلي سيلفا - في الجزيرة التي لم يكن هنالك احب الى سكانها قبل السادس والعشرين من ديسمبر من الاستحمام في البحر - ان الناس اصبحوا الآن يكرهون البحر مضيفا انه شاهد امرأة تقف على الساحل وهي تعبر عن غضبها على البحر وتحرك يديها بغضب شديد. وكانت سيرلانكا اكثر الدول التي تعرضت لخسائر ودمار الزلزال البحري وامواجه العاتية حيث لقي عشرات الآلاف مصرعهم من مجمل سكان البلاد البالغ 19,5 مليون نسمة، وبالرغم من ان ضحايا الزلزال في اندونيسيا كان اكبر غير ان عدد سكانها يفوق سكان سيرلانكا بما يزيد عن سبعة اضعاف اضافة الى ان اندونيسيا والهند وتايلاند كانت خسائر ودمار الزلزال محصور الى حد كبير في منطقة جغرافية واحدة بينما اجتاحت امواج الزلزال العاتية سبعين في المائة من ساحل سيرلانكا الممتد لمسافة 830 ميلاً. وبالنسبة لصائدي الأسماك والعاملين في الفنادق وكل الذين يعيشون ويعملون على امتداد سواحل سيرلانكا فان محصلة خسارتهم كانت اكبر من مجرد خسائر بشرية فقط فقد لحق الخسائر بمساكنهم وسبل معيشتهم ونشأ من ذلك شعور وتوتر نفسي جديد من كونهم محاطين بقوة لا طاقة لهم بها برهنت على انها غادرة ولا ترحم كبيرا او صغيرا وانها اخذت تقريبا خلال ساعة ارواح نصف عدد الأربعة والستين الف نسمة الذين قتلوا خلال الحرب الأهلية في البلاد والتي استمرت ثمانية عشر عاما. وكان صائد الأسماك سوباكين البينو قد سمع ايقاع امواج المحيط الهادئة عندما ولدته امه في منزل على الساحل قبل سبعين عاما واعتاد طيلة شبابه الاستيقاظ من النوم الساعة الثالثة صباحا والإسراع متلهفا في اتجاه البحر باحثا عن رزقه ورزق عائلته شاكرا له كل ظهيرة ذلك الكرم. وفي مدينة ملايتفيو الساحلية التي يعيش فيها البينو مع خمسة آلاف آخرين من السكان اعتاد السكان الهندوس تقديس البحر لاعتقادهم الخاطئ بانه مصدر رزقهم غير ان الطوفان الأخير جعلهم في حيرة وحسرة من امرهم. وبقي الكثير من سكان السواحل السيرلانكية في دهشة غامرة مما حدث بسبب الألفة العميقة لهم مع البحر وقالت احدى المسنات التي تجاوزت السبعين من العمر انه كان بامكانها وغيرها من الناس اخذ الحذر من تلك الأمواج العاتية غير ان الفتها الطويلة مع البحر منعتها من ذلك مضيفة بانهم اخذوا على حين غرة وان الموت والدمار أتاهم من حيث لا يحتسبون. ونجت العجوز من الموت بين الأمواج بتعلقها في شجرة مانجو ضخمة غير ان شقيقها وأبناءهما السبعة جرفتهم امواج المد العاتية الى مصيرهم المحتوم دون سابق انذار. وعلى صعيد المساعدات الدولية للمتتضرين من اثار الزلزال ففي خضم تدفق التبرعات من شتى انحاء العالم فان الكثير من المتبرعين يصرون ان تذهب مساعداتهم مباشرة للمتضررين. وقال ثوماس تيقي الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة اغاثة دولية تقوم بتوزيع ادوية واغذية ومعدات مجانا ضمن جهود لتحسين الرعاية الصحيفة في العالم ان الناس في كافة ارجاء المعمورة متأثرين للغاية ويرغبون في ان تصل تبرعاتهم المالية الى الضحايا الذين يشاهدونهم في الصور وعلى شاشات التلفاز. واضاف ثوماس بقوله ان المتبرعين اوضحوا بجلاء ان ماحدث ليس مثل الكوارث المأساوية التي تحدث في اماكن اخرى من العالم وان المتبرعين متشككين في الكيفية التي تتصرف فيها الجهات الخيرية المعنية بهذه الأموال. وكانت بعض المنظمات الخيرية المختلفة في العالم قد اعتادت على التصرف بحرية في التبرعات التي تصلها للمتضررين والمحتاجين في العالم غير ان بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر احتاج الأمر الى مزيد من التنظيم والإشراف. ونشرت منظمة اطباء بلا حدود على موقعها في شبكة الانترنت رسالة تبلغ فيها المتبرعين بانها تسعى الى جمع اكبر مقدار من التبرعات للقيام بدورها في كارثة زلزال جنوب شرق آسيا كما دعتهم ايضا الى التبرع لجهودها في مناطق اخرى من العالم بما فيها السودان والعراق. وتمكنت منظمة اطباء بلاحدود الآن من جمع خمسين مليون دولار لضحايا زلزال المحيط الهندي وكانت المنظمة من اوائل المنظمات الخيرية التي اعربت عن مخاوفها من تتحول الأموال المتدفقة الآن على ضحايا الزلزال الى جهات اخرى غير السكان المحليين المحتاجين في الدول الآسيوية المتضررة من الزلزال. وتقول منظمات خيرية خاصة ان اغلبية عظمى من المتبرعين للكوارث يوفون بوعودهم في تسليم التبرعات لمستحقيها الحقيقيين. وفي الوقت الذي اشادت فيه الأممالمتحدة بوعود مساعدات من قبل حكومات بلغت حتى الآن اكثر من ملياري دولار غير انها اشارت الى التجربة علمتها بان بعض هذه الالتزامات لا يتم الإيفاء بها بشكل كامل. وقالت المنظمة الدولية انه على سبيل المثال فان مبلغ الملياري دولار التي تعهدت بها حكومات لمساعدة افغانستان لم يتم الإيفاء إلا بمبلغ اربعة ملايين دولار تقريبا منها. ومن جانبه قال الباحث المشارك في مركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك ايبي استوارد بان المنظمات الخيرية غير الربحية تتميز بفعالية مختلفة في طريقة جمعها للتبرعات وتوزيعها مضيفا ان هذه المنظمات تعتبر الى حد ما اكثر مسؤولية من حكومات في مجال التبرعات والاستفادة منها بالطريقة الملائمة. (خدمة نيويورك تايمز خاص ب«الرياض»)