أسعد ويثلج صدري في كل مرة أطالع فيها خبراً عن زيارة مفاجئة لمسئول ما سواء كان وزيراً أو مديراً لأحد المواقع التي يشرف عليها، أو يقع تحت إدارته، وسبب سعادتي هو ما تكشفه تلك الزيارات المفاجئة من مواطن خلل وقصور وتسيب، وما يتبع ذلك من محاسبة ميدانية صارمة. وديننا الحنيف يحثنا على العمل والكسب الحلال، وقد علمنا رسولنا الكريم أن العمل عبادة وتقرب إلى الله، وفي الحديث الشريف: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، وصدرت فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة فحواها: (راتب الموظف لا يحل له إلا إذا كان يؤدي العمل الذي كلف به على الوجه المطلوب)، وما يحز في النفس أن بعض مؤسساتنا ومواقع العمل بمملكتنا الحبيبة قد شاعت فيها مفاهيم خاطئة في التعاطي مع العمل، مما قلل الإنتاج وأدى لتراجع أداء الموظفين، حيث تفنن البعض في عدم الالتزام بمواعيد العمل الرسمية بحجج واهية من نسج خيالهم، مما جعل التسيب يعم وتتعطل مصالح المواطنين. لا شك أن الزيارات المفاجئة التي يقوم بها المسئولون لمواقع العمل تُعد نوعاً من الإشراف الإداري ووسيلة لمتابعة الأعمال ميدانياً، وأداة لتقييم أداء العاملين وتلمس احتياجاتهم، وهي من الأهمية بمكان كونها تبعث برسائل مهمة للعاملين بما يدعهم يفرضون رقابة ذاتية على أدائهم، ويدفعهم للإنتاج والتعامل الحضاري مع المراجعين، وتكمن أهمية الزيارة المفاجئة في أنها تجعل من الموظف والعامل في ترقب دائم وعلى إدراك بان هناك من سيأتي ليحاسبه في أية لحظة، مما يدفعه لمزيد من البذل والعطاء، فضلاً عن أهميتها للمسئول نفسه كونها تطلعه على الأداء الفعلي للعاملين بالموقع الذي يتبع له، إضافة إلى ما تعكسه من اهتمام المسئول بالموقع الذي يشرف عليه واستشعاره بالأمانة الملقاة على عاتقه. ولو استشعر كل مسئول دلالة الحديث النبوي: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وعلم ما في الزيارات المفاجئة من اثر ايجابي على أداء العاملين، وإسهامها في الارتقاء بمستوى العمل وجودته لما جلس احد في مكتبه واكتفى بإصدار القرارات الإدارية، لان تلك الزيارات هي بمثابة المرآة التي تعكس له حقيقة ما يدور في الجهة التي يشرف عليه، لذا كان من الضروري على المسئولين القيام بزيارات مفاجئة لا لتصيد الأخطاء ومعاقبة الموظفين إنما لمعالجة القصور والارتقاء بمستوى الخدمة التي تقدم للمراجعين. والزيارات المفاجئة لم تنشأ عبثاً إنما لها مسبباتها، وفي مقدمتها تقاعس العاملين عن أداء أعمالهم، وهذا التقاعس ربما له ما يبرره مثل عدم شعور الموظف أو العامل بالأمان الوظيفي أو عدم حصوله على حوافز أو ترقيات أو عدم وجود بيئة جاذبة تحفزه على الإنتاج أو حتى عدم الكفاءة، غير أن كل ذلك لا يبرر له تعطيل مصالح المراجعين طالما ارتضى بالعمل وكلف به. وختاماً أتنمى أن يقوم كل مواطن وموظف ورب أسرة بزيارة مفاجئة لداخله وذاته يستشعرهما عندها، ما قدم وعمل ويحاسب نفسه ويقوِّمها، حينها لن نكون في حاجة لزيارات مفاجئة لان الكل لن يتفاجأ بمسئول أو وزير لأنه وضع نفسه تحت المجهر.