سارعت السلطات السويسرية إلى استباق ردود الفعل الأوروبية المستاءة من نتيجة الاستفتاء على مبادرة عرضت على المواطنين السويسريين يوم الأحد الماضي بشأن الهجرة، وأكدت أنها ستعمل على تقديم مشروع قانون في الخريف المقبل يأخذ في الحسبان نتيجة هذا الاستفتاء من جهة والعمل من جهة أخرى على ألا يكون ذلك على حساب علاقات سويسرا الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي. والملاحظ أن المبادرة التي عرضها على التصويت حزب "اتحاد الوسط الديموقراطي" الشعبوي قد صوت عليها الناخبون السويسريون بنسبة 50.3 في المئة، وهي تدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة للحد من الهجرة المكثفة بما في ذلك تلك التي تكون دول الاتحاد الأوروبي مصدرها، وجعل سياسة الدولة السويسرية تقوم على مبدأ انتقاء المهاجرين حسب عدة معطيات تتلاءم مع اقتصاد البلاد وحاجاتها وخصوصياتها الثقافية. وقد فاجأت نتيجة الاستفتاء على المبادرة الشعبية غالبية الأحزاب ونقابات أرباب العمل والتي كانت قد دعت إلى التصويت ضد المشروع لأن ذلك سينعكس سلبا على علاقات سويسرا الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي وبالتالي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السويسرية. وذكرت هذه الأحزاب بأن سويسرا تصدر 56 في المئة من منتجاتها إلى دول الاتحاد الأوروبي وأن لديها امتيازات وفرصا اقتصادية كثيرة في أسواق الاتحاد الأوروبي منها مثلا إشراك المقاولين السويسريين في مناقصات الأشغال العامة، ويقدر رقم مبيعات هذه الأشغال ب1225 مليار يورو أي ما يعادل 1500 مليار فرنك سويسري، كما ذكرت الأطراف السويسرية المعترضة على مبدأ إدراج المهاجرين أصيلي الاتحاد الأوروبي في نص مشروع الحد من الهجرة المكثفة بالاتفاق المبرم بين سويسرا من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى عام 2002، وينص هذا الاتفاق على حرية تنقل الأشخاص في أراضي كلا الطرفين بدون أي قيد. وفعلا عادت غالبية ردود الفعل الأوروبية المستاءة من إقدام السويسريين على التصويت على مبادرة الاستفتاء على مبدأ الحد من الهجرة المكثفة إلى هذا الاتفاق وطالبت باتخاذ إجراءات مضادة من شأنها إضعاف الاقتصاد السويسري، وهذا ما ألمحت إليه المفوضية الأوروبية بعيد الإعلان عن نتائج الاستفتاء على المبادرة، ومن أهم ردود الفعل المستاءة من هذه النتائج تلك التي صدرت في فرنسا عن وزيري الخارجية والداخلية، علما بأن جزءا هاما من المهاجرين الأوروبيين إلى سويسرا هم من الفرنسيين، بل ان هناك اليوم 130 ألف فرنسي يعملون يوميا في سويسرا ويعودون في المساء إلى بلادهم، وهم يقيمون عموما في المنطقة الحدودية بين البلدين. وثمة قناعة اليوم لدى عدد من المحللين الاقتصاديين بأن السلطات السويسرية ستعمل على تأخير البدء في تنفيذ قرار الحد من الهجرة المكثفة وانتهاز ذلك للتفاوض من جديد مع دول الاتحاد الأوروبي على نحو يجعل العمالة الأوروبية أساس تلك التي ستعتمد عليها سويسرا في المستقبل في إطار سياسة "الهجرة الانتقائية". وإذا كانت دول الاتحاد الأوروبي كلها قد أعربت عن استيائها من نتيجة استفتاء يوم الأحد الماضي في سويسرا للحد من الهجرة المكثفة، فإن كل أحزاب اليمين المتطرف في هذه الدول قد أعربت عن ارتياحها الكبير لها وعن قناعتها بأن حزب "اتحاد الوسط الديموقراطي" السويسري حسب رأيها أحسن صنعا عندما كان وراء مبادرة الاستفتاء الشعبي للحد من الهجرة، مذكرة بأن عدد المهاجرين في سويسرا يبلغ أكثر من ربع سكان البلاد والمقدر عددهم بثمانية ملايين شخص.