ليس لأننا نؤيد بالاسم فقط فكرة التخطيط بعيد المدى أو قصير المدى، أو ما يسمى بالخطط الخمسية بل ان الهوة أكبر، والمصيبة أعظم، والهم أعمق، فهو وفق ما نسميه (الشق أكبر من الرقعة). ففي العموم المدير هو الأساس والخطوة الأولى لإنجاح العمل، فالإدارة تحديداً تحتاج الأنسب لها، ولصاحبها مواصفات مغايرة عن ما قد يعتقد البعض فالناجح في مجال خبرته ولو كانت الإدارة تتطلب من بذات درجته العلمية ليس شرطاً أن يكون مديراً ناجحاً لمنشأة أو جماعة معينة، فالإداري الناجح لا يقيم بكونه مجتهدا أو متفوقا، أو طيبا أو محبوبا ممن حوله فقد يفقد كل ذلك على كرسي إدارة هو ليس أهلاً له، ولا يمتلك الشخصية القيادية التي تخوله لإدارة دفتها ودون القدرة على تحسينها ورعايتها وتطويرها، والعيب ليس بالفشل في الإدارة والتنحى والانسحاب إن تطلب الوضع ذلك، ولا ينقص هذا من قدر من يفعلها بل دليل على شجاعة ورقي لا يمتلكها إلا صفوة الصفوة، والنبي عليه الصلاة والسلام لو عدها إهانة أو سباباً لما قالها لصحابي جليل، فعن أبي ذرٍ رضي الله عنه، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَىَ مَنْكِبِي. ثُمّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرَ إنّكَ ضَعِيفٌ وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا. ومعنى الضعف الوارد في الحديث هو العجز عن القيام بوظائف الولاية، وقد ذكر أيضاً عن حاجة الإدارة للقوي ولو كان فاجرا فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، كما قال المغيرة بن شعبة وأيده الفاروق رضي الله عنه، أما الضعيف فضعفه على المسلمين وتقواه لنفسه. فإن كان هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الغر الميامين، ومن بهم من مخافة الله وخشية حسابه الكثير الكثير فكيف بأهل زماننا ممن قد يغلبهم حب السلطة أو المال أو الشهرة أو الذكر أو الوجاهة أو الخجل من النظر له كمخلوع. .. من الظلم أن تسند الإدارة لمن لا يصلح لها، والأشد والأنكى أن تعامل الاختيارات البشرية كما لو كانت نصوصا مصدقة من السماء فلا تراجع صلاحيتها من عدمها، رغم أن قرار الإنسان قابل للأخذ والرد، وقد يصيب أو يخطئ، فإسناد إلإدارة، قرار بشري إن لم تثبت صلاحيته لابد أن يبدل ويبحث عن الأنفع للوزارة أو المؤسسة. ومن العيوب الكبيرة أن لا يراعى دقة اختيار المدير فيضيع الجهد سدى، ويتشبث صاحب المنصب بدوره بالكرسي وإن لم يظهر أحقيته به، وحب الرئاسة يجعله يحرص عليه ولو كان بيده لورثه، متناسياً أنها لو دامت لغيره لما وصلت إليه، فيصمد رغم أعاصير الفشل لأجل دنيا يصيبها، أو سمعة يحفظها. عزيزي المدير، عزيزتي المديرة حين تقولون هي تكليف لا تشريف تذكروا أنها أمانة وحمل ومسئولية عن كل نفس ستسألون عنها في موقف عظيم.