الكثير ممن عارضوا في البداية تواجد الحكم العسكري في مصر برروا ذلك أن التدخل العسكري بشكل عام هو رمز للسيطرة وتقييد الحريات المدنية وأسموه ب "حكم العسكر" لكي يوازوه بحكم الرئيس السابق حسني مبارك وما وجده الشعب المصري غير مقبول في فترته ما دفع الى قيام الثورة المصرية التي نجحت في إزاحته عن الحكم. كما أن "حكم العسكر" هو بالأحرى مفردة مستقاة من مصطلح martial law وهو كما يعرفه قاموس ويبستر بأنه "القانون المفروض على قطعة أرض محتلة من قبل جيش الجهة المحتلة" وايضا في حالته الأخرى هو "القانون الذي تفرضه الدولة عن طريق جيشها حينما تعجز الجهات المدنية عن فرض الأمن وحماية المواطن" بينما يشرح القاموس المتخصص بالمصطلحات القانونية أن المعنى لذلك المصطلح الذي أصبح يستخدم بسخاء من بعض الفئات قد يعني أشياء مختلفة لكنه بشكل عام يمكن فهمه على أنه "فرض الجهات العسكرية للقانون المدني وقانون العقوبات إلى جانب تعطيل بعض الحريات المدنية مثل رفع حق المواطن في حمايته من التفتيش المفاجئ والاعتقال والتجمع أو التجمهر، إضافة إلى منع حرية الحركة كما تتعطل المحاكمات المدنية حتى مع وجود مساجين دون وجه حق". ومن أمثلة ذلك ما حصل في تايلند عام 2006 وكذلك الصين عام 1989 وهناك أيضا بولندا عام 1981 وكندا عام 1970 وألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية والولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الحرب الأهلية الأمريكية. وفي كل هذه الحالات كانت هناك سيطرة عسكرية تسببت في تعطيل الحريات وفي أحيان كثيرة وفي عمليات قتل في العلن. ولكن الدولة لايسعها عمل شيء لأنها سمحت بالتدخل العسكري للضرورة وإلا ضاعت الدولة بسبب الشغب وعدم الانضباط. وحين الرجوع للوضع المصري، فالجيش المصري وجد نفسه أمام رغبة شعبية مهولة صورتها المحطات الفضائية متمثلة بملايين البشر من جميع الفئات متجمهرين في العديد من المدن والقرى المصرية حتى يتدخل الجيش المصري وينقذهم مما وجدوه من ظلم وقلة حال مع الرئيس المخلوع محمد مرسي. وحتى مع هذا ورغم وجود العديد من حالات القتل والتعذيب التي حصلت تحت مرأى ومسمع الحكم الإخواني السابق فالجيش المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي حاول أن يعطي السلطة الحاكمة مهلة لمراجعة حساباتها ومحاولة تلبية مطالب الشعب قبل أن يلبي هو ذلك. فما الفائدة من أي مظهر ديمقراطي -على سبيل المثال الانتخابات- إن لم تتحقق الديمقراطية المنشودة من ذلك؟ فليس المهم هو أداة الديمقراطية بل الأصل هو تحقيق هدف الحرية والأمن والعدالة وتحقيق حاجات المواطن، وإن لم يحصل هذا ووقع الظلم والاستبداد فإن العملية الانتخابية هنا ليست أساسا يستند عليه وليست حكما قدريا لا فكاك منه لأنها وسيلة تحقيق غاية. فإن انعدمت الغاية لا فائدة لهذه الوسيلة بل إن أصبحت الوسيلة بأهمية الغاية أصبحت حينها شيئا مضرا أو غير مفيد على أقل تقدير! ولكن بعد مهلة الجيش المصري لم تستجب الحكومة السابقة ما اضطر الجيش للتدخل تلبية لرغبة المواطن الذي هو أساس الدولة وما تحميه القوانين والجيش وجميع الجهات المدنية والعسكرية. والجدير بتذكّره هنا أن هذا التدخل كان لإبعاد السلطة من الحكم وليس لأخذ الحكم وفرض قوانين تسلب الحريات وتعطل القوانين المدنية وتشل الحياة العامة بل على العكس تماما فالجيش حاول ولازال يعمل على المحافظة على حياة آمنة ومستقرة للمواطن محاولا المحافظة على استقرار أسعار الكهرباء والغاز والسولار والتي كانت أزمة كبيرة أثناء الحكم السابق مع الرئيس المخلوع مرسي. وكأن الجيش المصري بذلك يعطي درسا حضاريا لبقية العالم ولربما كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية من أوائل من فهم هذا الدرس وتراجعت عن موقفها الأولي لتصبح الآن داعمة لما قام به الجيش المصري. لذلك حين التأمل بتجرد لواقع ما حصل في مصر وما زال يحصل مع الجيش المصري فلا يمكن أبدا أن نصف ذلك ب "حكم عسكر" فهو لاينطبق عليه أبدا شروط الحكم العسكري وفقا لمصطلح martial law، بل إن الشعب المصري الآن يطالب المشير السيسي وبقوة عبر حملة "كمل جميلك" بالترشح بشكل رسمي للرئاسة لأنه لمس مع هذا الرجل الشجاع الأمان وكذلك الصدق، فوثق الشعب به فقد كان رجلا عند كلمته وكان لايأخذ خطوة دون أن يوافق عليها شعبه في شرح واضح لوطنية هذا الإنسان ومبادئه الرصينة الذي تكشف عن أخلاقياته السليمة. لذلك فمن يستخدم مصطلح حكم العسكر فهم برأيي يمكن تقسيمهم بشكل عام إلى قسمين: هؤلاء المنتمين لجماعة الإخوان أو المتعاطفين معها، وهناك الفئة الأخرى التي ليست بالضرورة متعاطفة مع الحكم السابق المخلوع ولكنها متأثرة بالأفكار الغربية المناهضة لفكرة الحكم العسكري بسبب التاريخ الطويل الذي عرفه الكثير من الغربيين مع الاستبداد والظلم الذي وقع أثناء التدخل العسكري، ولكن ما غفلت عنه هذه الفئة أنهم أخذوا تلك الأفكار الغربية المغرية والجذابة كونها تتحدث عن الحريات وحمايتها ونبذ أي تسلط أو تحكم ونسوا واقع ما حصل والذي يتنافى تماما مع الفكرة الغربية للحكم العسكري! فليس الأمر هو تدخل الجهات العسكرية بل لكي تتحقق الفكرة الغربية لماهية هذا التدخل، فالمواطن حينها متضرر وفقد الكثير من حرياته إن لم يفقد حياته كذلك، إلى جانب وجود هذه الجهة العسكرية في الحكم ولكن هذا لم يحصل مع الجيش المصري الذي حاليا يمهد لقيام انتخابات منظمة لكي يختار الشعب المصري من يريد بالفعل لكي يكون رئيسا عادلا للبلاد. في تقرير نشرته مجلة الايكونومست البريطانية يتحدث الخبير الأمريكي روبرت سبرنجبورج عن المشير السيسي بأنه يتعمد في خطاباته مزج عنصر القومية الذي يذكر الناس بجمال عبدالناصر، وكذلك عنصر الإسلام في ترديده لبعض الآيات القرآنية الكريمة في بعض كلماته. كما أنه وصفه بأنه "رجل تقي" وقد قامت المجلة في استطلاع آراء بعض الجنود في الجيش المصري الذين فضلوا عدم ذكر اسمائهم ولكنهم شرحوا أن المشير السيسي يعاملهم معاملة كريمة وأنهم مرتاحون للغاية تحت قيادته. كما أن التقرير عرض معلومات عن حياة المشير السيسي حينما كان يدرس في كلية الجيش الحربي الأمريكي في ولاية بنسلفينيا وقد ذكرت إحدى الاستاذات هناك أن المشير السيسي كان رجلا صاحب آراء واضحة وكان شجاعا في الحديث عنها، وكان من ضمن تلك الأفكار أن الجيش فوق السياسة وأن مصر بلد يؤمن بالاختلاف والتعددية الشعبية. لذلك فالحكم على أي حال يجب أن يكون من واقعه الخاص به وليس باستقاء أفكار خارجة عن بيئة لا تتطابق تفاصيلها ثم الحكم بشكل قوي وفرض ذلك الرأي على أنه استنتاج واقعي على الآخرين تقبله وإلا فهم لايفقهون شيئا في الحرية والعدالة! ربما ما حصل في مصر ومع الجيش المصري حالة نادرة جدا على مر التاريخ البشري ولكنها حالة بلا شك على الشعب المصري أن يكون فخورا بها فهو يحدد مصيره بيده وجيشه يدعمه وهذه من أكبر النعم لدى أي شعب. نتمنى للشعب المصري كل التوفيق والاستقرار.