لست أدري إن كنت أكتب هذا المقال وقد امتزجت العاطفة مع العقل ، أم أن العاطفة طرحت العقل أرضا! فها أنا الموظف أكتب عن الموظف، فكأني أحدث نفسي عن نفسي على الورق ليسمعني من به آهات مُزجت بطموحات. في البداية لا تتحسس كثيرا أيها الموظف من عنوان المقال، فلست أقصد أن أقلل من شأنك ولا من هيبتك، ولا من دورك في قطاعك الخاص أو العام، ولكن أحببت أن أشاركك ببعض الأفكار حتى لا يدفعك الحماس أكثر مما ينبغي، فتعشش في السماء والناس يمشون على الأرض. إني أحاول هنا أن أقرب لك الصورة لتتعرف على الواقع من وجهة نظر التاريخ كما أزعم!، وقبل أن نخوض في علاقة التاريخ بالموظف دعنا نلامس قضايا تتكرر في عملك كثيرا، ثم نختم المقال بعلاقة ذلك بالتاريخ. لعل أكثر ما يضايقك هو أن تعمل في مجال ليس له صلة بحماسك أو ميولك أو مجالك الذي تخصص فيه، وليس ذلك بالغريب، فالمؤلف والمحاضر زيج زيجلر يقول: "إن ثمانين بالمائة من خريجي الجامعات الأمريكية يعملون بعد مضى عشر سنوات في غير تخصصهم، يا لها من مضيعة في الوقت". هذه المعضلة قد تكون الكابوس الجاثم على صدرك، بل هي في الحقيقة السبب الأول والأخير لخنق الإبداع والتطوير، ولكن الواقع يقول: هل نتوقف عن المسير؟ كلا، بل أدر الدفة قليلا وضع حماسك وميولك في تطوير شخصك، وسوف تعيش حلمك وعالمك بنفسك حيث أنت المصمم وأنت المنفذ وأنت القائد، ليس ذلك هروبا من الواقع بل هو تعديل للخطط بما يتناسب مع الوضع الراهن، فتلك هي الكِياسَة. القضية الأخرى حاول أن لا تتحول النقاشات والمناظرات إلى أمور شخصية حتى ولو كنت حريصا على القطاع الذي تعمل فيه لأن الاحتدام لوجهة نظرك والدفاع عنها كالمستميت ليس هو الحل الأمثل، بل تذكر أنه ربما هناك احتمال واحد في المئة فقط! أن يكون الطرف الآخر يحمل جزءا من الحقيقة. أما بالنسبة للضغوط المعنوية والنفسية المتكررة فأمثلتها كثيرة، كأن تخرج غضبان أسِفا من اجتماع لأن وجهة نظرك لم تسمع، أو حين يضيق صدرك لكلمة قيلت، أو زيادة لم تحصل عليها، أو درجة لم تنلها، أو كرسي منصب لم تجلس عليه! فكل ذلك ممكن أن يحله لك التاريخ في غمضة عين. التاريخ بكل بساطة عزيزي الموظف لن يتذكر أو يهمه شيئا مما ذكرنا آنفا!. ودعنا نكون أكثر صراحة، هل التاريخ يهمه ما هي وظيفة العقاد أو وظيفة غاندي ؟ أو ما هي وظيفة الجاحظ وابن خلدون؟ أو نيوتن وأينشتاين؟. هل نحن اليوم نتذكر ما هي وظيفة البخاري ومسلم؟ وهل المستقبل سيتذكر ما هي وظيفة بيل غيتس وستيف جوبز؟. كل ذلك لا يهم البتة، التاريخ يعرف حقيقة واحدة، وهي أنهم وضعوا بصمة وإنجازاً ثم رحلوا. إن التاريخ ذكي جدا، فهو يعرف من يتذكر، ومن ينسى؟!