تصادف إجازة نصف العام هذه السنة أجواء باردة وممطرة في مختلف مناطق المملكة مما يشجع الكثير من الناس للخروج للرحلات والتخييم والمبيت في الاستراحات. وبسبب برودة الجو، يلجأ المخيمون إلى استخدام أجهزة التدفئة التقليدية والتي لا تخلو من الأخطار الظاهرة كالحرائق ولكن هناك أخطارا قد تخفى على الكثير من الناس مثل الاختناق والتسمم وخاصة بغاز أول أكسيد الكربون. وقد يلجأ البعض للتدفئة الطبيعية باستخدام الحطب والفحم وغيرهما أو للتدفئة التقليدية التي تستخدم مدافئ الكيروسين، وقد ينام بعض الناس في السيارة والمحرك يعمل في أماكن سيئة التهوية. في الحالات الشديد قد يستخدم الأطباء غرفة الأكسجين عالية الضغط لذلك تكثر تحذيرات الجهات الصحية والدفاع المدني من الاستخدام الخاطئ للتدفئة لما في ذلك من مخاطر واضحة مثل الحريق ولما للتدفئة الخاطئة من أخطار على الصحة بسبب استنشاق المواد المتبخرة الضارة والدخان الذي قد ينتج عن عملية الحرق. لهذا أردنا في مقالنا لهذا اليوم مناقشة هذا النوع من التدفئة وتوضيح بعض المحاذير التي يجب توعية القراء بها، لأنها قد تسبب لا قدر الله مضاعفات خطيرة تؤثر على الصحة. إن استخدام التدفئة التقليدية قد ينتج عنه غاز سام لا يدركه الكثير من الناس ولا يشعرون به مباشرة لأنه لا لون له ولا طعم ولا رائحة. يُعرف بأول أكسيد الكربون.(Carbon monoxide "CO") وغاز أول أكسيد الكربون ينتج عن الاحتراق غير الكامل للمواد الكربونية، كما قد ينتج في حال وجود خلل في المدفأة التي تستخدم المواد المشتعلة. ومشكلة هذا الغاز أنه لا يمكن تمييزه بسرعة حتى تظهر آثاره على الناس؛ لذلك لا يدرك الشخص العادي وجوده. ما هو تأثير استنشاق غاز أول أكسيد الكربون على مستوى الأكسجين في الدم؟ عند استنشاق أول أكسيد الكربون، فإنه يصل إلى الدم بصورة تدريجية ويرتبط بالهيموجلوبين الحامل للأكسجين مما ينتج عنه إزاحة الأكسجين من الهيموجلوبين. ومن المعلوم للقارئ أن الهيموجلوبين يحمل الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة حتى تحصل على كفايتها من الأكسجين الذي يعتبر العامل الأساسي في عملية حرق الطاقة. لذلك فإن أول أكسيد الكربون يقلل من كمية الأكسجين المحمولة للأنسجة، كما أنه يمنع انتقال الأكسجين المتبقي في الهيموجلوبين إلى الأنسجة التي تحتاج إليه. وينتج عما سبق نقص حاد في مستوى الأكسجين في الأنسجة ويسبب أعراض التسمم التي سنتحدث عنها. وأول أكسيد الكربون له قابلية أعلى من الأكسجين للارتباط بالهيموجلوبين بحوالي 200 مرة مما يسرّع من عملية الإزاحة والارتباط بالهيموجلوبين والتسمم. ولحسن الحظ أن عملية التسمم بطيئة إلى حد ما وتحتاج من 8 إلى 12 ساعة من التعرض للغاز حتى يتشبع الدم به. ولكن الأعراض قد تظهر قبل تشبع الدم، كما أن الوفاة (لا قدر الله) قد تحدث قبل تشبع الدم كذلك. ما هي أعراض التسمم بأول أكسيد الكربون؟ قد يستيقظ الشخص بأعراض التسمم ولكن لا يعرف سببها. وهذه الأعراض تشمل: الصداع، الضعف العام، التوتر، الغثيان، الخمول، الدوخة، نقص مستوى الوعي، واضطراب دقات القلب. وتختفي الأعراض عادة مع مضي وقت النهار؛ حيث يعود الأكسجين تدريجيا مع التهوية لأخذ مكانه الطبيعي في الهيموجلوبين. وإذا اشتكى أي شخص من الأعراض السابقة بعد النوم عند مدفأة تستخدم نظام الحرق والاشتعال فإن احتمال وجود تسمم بأول أكسيد الكربون يظل قائما. وفي دراسة سعودية قام بها مجموعة من الباحثين من مستشفى الحرس الوطني ونشرت عام 2000 في المجلة الطبية السعودية، وجد الباحثون في الدراسة التي أجريت على عينة من الأشخاص الذين نُوّموا في المستشفى بسبب التسمم بهذا الغاز، أن سبب التسمم كان استخدام الفحم للتدفئة عند 71 في المئة من المصابين، وكان عادم السيارات السبب الثاني في التسمم بنسبة 21 في المئة من المصابين. كما أنه إضافة إلى الأعراض الحادة فإن التسمم قد يؤدي إلى مضاعفات طويلة المدى تصيب الجهاز العصبي المركزي للإنسان، وقد يضطر الأطباء إلى تنويم المريض في وحدة العناية المركزة واستخدام أجهزة التنفس الصناعي أو أجهزة الأكسجين عالي الضغط. والتسمم بأول أكسيد الكربون من أسباب الوفاة التي يمكن منعها بسهولة في مثل هذه الأوقات من السنة في العالم كله بأخذ الاحتياطات اللازمة. وقد يحدث هذا للشخص وهو نائم ولا يشعر بذلك. لذلك وجب أخذ الحيطة والتنبه لهذا الأمر. كما أن احتمال التسمم عند الأطفال أكثر من الكبار لأن معدل تنفسهم في الدقيقة أسرع من الكبار مما يزيد من سرعة وصول الغاز للدم ومن ثم التسمم. ما هي طرق العلاج؟ وعند الاشتباه بإصابة شخص بالتسمم بأول أكسيد الكربون، يجب الاتصال بالإسعاف فورا وعمل التالي حتى يصل الفريق المسعف: نقل المصاب بعيدا عن منطقة أول أكسيد الكربون إلى منطقة بها تهوية جيدة. إيقاف مصدر أول أكسيد الكربون (كالمدفئة مثلا) إن كان لا يتنفس بشكل طبيعي، يُبدَأُ بالإنعاش القلبي من شخص مصرح له بذلك. أما في المستشفى، فإن العلاج في الأساس هو إعطاء المصاب كمية كبيرة من الأكسجين والتي تعطى عن طريق الأقنعة في الحالات البسيطة، وفي الحالات الشديدة، يفضل أن يعطى الأكسجين بكميات أكبر وتحت ضغط أعلى من الضغط الجوي باستخدام أجهزة طبية خاصة.