وزارة التربية والتعليم منذ أن ولدت تحت اسم المديرية العامة للتعليم ثم شبت تحت اسم وزارة المعارف ثم أصبحت وزارة التربية والتعليم تشبه الفرس التي تروض على مراحل لكي تصبح أكثر فائدة وأقدر على أداء مهمتها التي وجدت من أجلها وهي إعداد أجيال متعلمة ومتميزة علمياً وتربوياً.. هذا وقد امتطى صهوة تلك الفرس وتوالى عليها عدد من الوزراء ساهم كل منهم مأجوراً ومشكوراً بجهده واجتهاده، وكل منهم أدلى بدلوه وقد تفاوتوا من حيث التوجه والإنجاز حتى وصلت تلك الوزارة الأم إلى ما وصلت إليه اليوم من مسؤولية عظمى تتمثل في أنها الركيزة الأساسية لكل فعاليات الوطن حيث اتسعت وتشعبت مسؤولياتها بقدر اتساع المملكة وتشعبها، وظلت تهتم بالكم على حساب الكيف الذي فرضته الزيادة المطردة في عدد السكان. إن التربية والتعليم العام في أي مجتمع من المجتمعات هو حجر الزاوية والركن الأساسي الذي تقوم عليه جميع الفعاليات التنموية في جميع المجالات ذلك أن خريجي التعليم العام، زهرة الوطن وخلاصة شبابه وشاباته، هم من يلتحق بالجامعات، وفي التعليم الفني والتعليم العسكري، وهم من يشكل أغلبية الكوادر العاملة في كل من القطاع العام والقطاع الخاص وهذا يعني أن ما يتم غرسه من علوم وتعليم وتربية وتوجيه خلال مراحل التعليم العام هو الذي يحدد مستوى وأهلية من يستطيع ان يكمل مشواره التعليمي أو ينجح في مشواره العملي بعد إنهاء تلك المرحلة. نعم إن مسؤولية وزارة التربية والتعليم تفوق مسؤولية جميع المؤسسات والقطاعات الأخرى وذلك لأن جميع كوادر تلك المؤسسات والقطاعات هم نتاج ما زرعته تلك الوزارة، ومقدار التميز الذي يحظى به أي قطاع هو نتيجة تميز منسوبيه هذا من ناحية ومن ناحية ثانية ترعى وزارة التربية والتعليم الشباب والشابات منذ سن مبكرة حتى بلوغ سن الثامنة عشرة وما تزرعه تلك الوزارة من علوم وتربية هو الفيصل في ما يلي ذلك من توجهات حيث يصبح الشاب قد حصل على التأهيل العام اللازم، وأصبح أكثر نضجاً من الناحية العقلية والفكرية وهذا ما يعول عليه في توجهاته المستقبلية وقدرته على الاختيار الصحيح ومن ثم التفوق والتخرج بتميز ومن ثم بدء المشاركة في بناء وتطوير هذا الوطن المجيد ودعم مسيرته المظفرة والمباركة إن شاء الله. أيضاً فإن التحصيل العلمي والفكري والتربوي في مراحل التعليم العام هو المسؤول عن تبلور شخصية النشء لأن التعلم في الصغر كالنقش في الحجر. من هذه المقدمة أخلص إلى أن وزارة التربية والتعليم لازالت تراوح مكانها بين الإنجاز العظيم المشاهد من ناحية، وبين التحديات التي تواجهها والتي جعلت حراكها في بعض الفعاليات مكانك سر، وفي البعض الآخر إلى الخلف در، هذه تلقي بظلالها على ما يتم من إنجاز ولهذا لابد من التعرض إلى بعض المعوقات التي بتطويعها ينفك العقال، وتسهل المهمة.. ولعل من أهل ما يجب الالتفات إليه ما يلي: * إن كفاءة المعلم تعتبر محكا رئيسا في العملية التعليمية والتربوية ووظيفته تفوق في الأهمية جميع أنواع الوظائف الأخرى مهما علت لأنه هو المسؤول عن بناء الأجيال التي سوف تشغل في المستقبل تلك الوظائف والمهام فإن خرّج أجيالا متميزة فسنحصل على التميز وإن خرج أجيالا متعثرة فسنتعثر؛ لذلك لابد من مكافأة المعلم المتميز وإعادة تأهيل ذوي الكفاءة المنخفضة والتخلص ممن لا يرقى إلى مستوى المهنية أو من أُرغم على العمل في التدريس وهو لا يجيده لأنه لم يجد وظيفة أخرى تناسبه ناهيك عن رفع مستوى تأهيل الكليات التي تخرّج المعلمين من الناحية العلمية والتربوية حتى نحصل منها على معلمين مثاليين وان تزيد عدد المؤهلين حتى يصبح هناك منافسة حادة للفوز بذلك الموقع الذي يشغله المدرس من الناحية المادية والمعنوية ولنا في الدول المتقدمة قدوة في هذا المجال. * إن المناهج هي اللبنة الثانية التي تبنى عليها العملية التعليمية والتربوية وذلك من حيث المحتوى وأسلوب العرض ومناسبة المعلومة لسن وقدرات المتلقي. هذا وقد مرت عملية تطوير المناهج بعدة محاولات كانت المحصلة في بعض منها تشبه عملية إلى الخلف سر، وهنا لابد من ذكر بعض الحقائق على سبيل المثال لا الحصر. * بدلاً من التخفيف من الأحمال التي يئن منها كاهل الطالب من كثرة المقررات والكتب وتم إضافة كتاب نشاط لكل كتاب مقرر ليصبح عدد الكتب أكثر والحمل أثقل وذلك ابتداء من أولى ابتدائي التي يزيد عدد الكتب مع كتب النشاط فيها على اثني عشر كتاباً حالياً وهذا الأسلوب يزيد من متاعب الحمل ومن تكاليف طباعة تلك الكتب ناهيك عن محدودية الفائدة المرجوة منها. * مقررات اللغة العربية تم دمجها في كتاب واحد سمي لغتي وهذا كان مطلبا الا ان الدمج الذي تم يعتبر دمجاً مخلاً ضيع الهدف المقصود من تدريس اللغة العربية أساس الثقافة والانتماء والهوية حيث أصبحت المواضيع متداخلة (وليست متدرجة) بصورة يصعب على المتخصص الربط بينها فما بالك بالطالب خصوصاً في المرحلة الابتدائية التي من أهم مهامها تعليم القراءة والكتابة بصورة صحيحة. والواقع يقول ان بعض خريجي مراحل التعليم العام لا يجيدون الكتابة ولا القراءة. * المقررات العلمية خصوصاً مادة العلوم في المرحلة الابتدائية وعلى وجه الخصوص في الصف الخامس والسادس يتم تدريس مواضيع بتفاصيل وأسلوب بعيدين كل البعد والتوافق مع قدرات الطالب وخبرته الدراسية عن قراءتها ناهيك عن فهمها وكأن المقصود من وضعها هكذا تكريه الطالب بالمادة العلمية أو ان من قام بتأليفها ليس لديه خبرة أو معلومة لمن سوف تدرس له هذه المعلومات، أما إذا كانت مترجمة من مقررات تدرس في دول أخرى فيجب ان يكون ذلك حسب التدرج والأسلوب والعرض المتبع هناك. إن المواد العلمية في مراحل التعليم العام يجب ان تكون شيقة وجذابة ومربوطة بالواقع العملي المشاهد حتى تكسب ود الطلاب لها ومن ثم الرغبة في التخصص فيها في المستقبل وذلك لأن العلوم التطبيقية أصبحت اليوم من أهم المقررات التي يجب العناية بها جنباً إلى جنب مع مقررات اللغة العربية والعلوم الدينية وزيادة عدد الحصص التي تهتم بها، والمعامل التي تثري فهمها. كيف لا؟ وقد أصبح الاقتصاد الذي يسير حياة الأمم اقتصاداً معرفياً. *لا يزال دور التعليم العام في زرع الولاء والانتماء والهوية الوطنية عقيدة ولغة وثقافة وتاريخاً وسياسة واجتماعاً ضعيفاً، وقد كان في الماضي أفضل حينما كانت المناهج تعج بالقصائد الوطنية والمواضيع التوجيهية هذا بالاضافة إلى أهمية زرع الانتماء للأمتين العربية والإسلامية فهما العمق الاستراتيجي في السلم وفي الحرب. * المباني المدرسية اللبنة الثالثة في العملية التعليمية والتربوية فلازال كثير من المباني المدرسية عبارة عن فلل سكنية أو بيوت شعبية مستأجرة لا تفي بمتطلبات العملية التعليمية والتربوية والرياضية والصحية والبيئية والاجتماعية وغيرها من العوامل الأساسية المرتبطة بتلك المتطلبات، وهذا يتطلب أن تضع الوزارة خطة خمسية أو عشرية لا تحيد عنها تتمكن الوزارة من خلالها تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال المباني المدرسية مع أخذ التوسع في افتتاح مدارس جديدة بعين الاعتبار. * هيبة المدرسة وهيبة المعلم تلاشتا وفي تلاشيهما تتلاشى أهم أسس العملية التربوية وهذا يتطلب إعادة الاعتبار لهيبة المدرسة وهيبة المعلم مع الموازنة بين الأساليب التربوية الحديثة، والحقوق والواجبات لكل من الطالب والمعلم مع أخذ التواصل مع الأسرة بعين الاعتبار. ولاشك ان ضياع هيبة المدرسة وهيبة المعلم مصدره في المقام الأول المثل القائل: «من أمن العقاب أساء الأدب». * اليوم يمتطي صهوة وزارة التربية والتعليم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز صاحب الخبرة الطويلة في مجالات عديدة لعل من أهمها: - الخبرة الإدارية من خلال توليه عدة مهام كبرى حيث كان أول رئيس لرعاية الشباب ثم أميراً لمنطقة عسير ثم أميراً لمنطقة مكةالمكرمة وقائداً لتفويج الحجيج هذا بالاضافة إلى المهام والمسؤوليات الأخرى تولاها وتميز فيها. - الخبرة الفكرية حيث يشهد له بجهود فكرية ثرية يتمثل بعض منها في إنشاء مؤسسة الملك فيصل الخيرية ومكتبتها العلمية ونشاطها الفكري والثقافي وجائزة الملك فيصل العالمية بالاضافة إلى ترؤسه مؤسسة الفكر العربي التي بجهوده الحثيثة وصلت تلك المؤسسة إلى ما وصلت إليه من مكانة وشهرة وإنجاز. - الخبرة الفنية حيث إنه معروف بأنه رسام تشكيلي وشاعر فحل له بصمات معروفة في كلا المجالين. - يتمتع سموه بكارزما شخصية مدعومة بقوة حضور وفصاحة ومرونة وحزم وانفتاح وهذه المميزات سوف تكون له خير عون في مهمته الجديدة التي تتمثل في قيادة التربية والتعليم في المملكة بمنظور متوازن وهي مهمة لعمري من أكبر وأعقد وأهم المهمات التي تولاها سموه حتى الآن. ذلك أن حمل لواء تطوير التعليم العام في المملكة وجعله مواكباً للتعليم في الدول المتقدمة مع احتفاظه بهويته وخصوصيته العربية والإسلامية يحتاج إلى توازن وشجاعة وإقدام ومرونة وهذه ما يتحلى بها سموه الكريم، ولهذا فإن الكل ينتظر عملاً تطويرياً وإصلاحياً غير مسبوق وذلك من خلال مشروع قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم - حفظه الله - ومؤازرة ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني - حفظهما الله -. * إننا نملك جميع المؤهلات التي تمكننا من أن نكون في المقدمة ذلك أننا نملك المال ونملك العلم الكافي لصنع وبناء مجد بل أمجاد إضافية لهذا الوطن الكريم: بالعلم والمال يبني الناس ملكهمُ لم يُبن ملك على جهل وإقلال * فالعلم رفعة والجهل انحدار العلم يرفع بيتاً لا عماد له والجهل يخفض بيت العز والشرف * المعلم أساس العملية التعليمية وهو يكاد أن يكون رسولاً: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا أعلمت اشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولاً * العلم والتربية (الأخلاق) عمليتان متكاملتان لا ينفع أحدهما بدون الآخر: لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوّج ربه بخلاق * فلنستغل وفرة المال والقيادة المخلصة والشعب الوفي والحظ القائم لبناء مجد لا يتضعضع، عماده العلم والمعرفة يغني عندما تشح الموارد: فابنوا على بركات الله واغتنموا ما هيأ الله من حظ وإقبال هاتوا الرجال وهاتوا المال واحتشدوا رأياً لرأي ومثقالاً لمثقال