منذ القدم والصناعة تحتل اهتمام الأمم الناضجة، حتى قيل "ويل لأمة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع" ولأن الصناعة تعني القوة فقد جاء الندب إليها في القرآن الكريم بصيغة الأمر الملزم الذي لا لبس فيه: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" غير أن العرب أصيبوا بفشل ذريع وغير مقبول صناعيا في القرون المتأخرة، بمعنى أنهم فضلوا التخلي عن الصناعة في الوقت الذي نجح فيه الغرب في ميدانها وفي غيره من ميادين التقدم الحضاري حيث اكتسب القوة التي جعلته يهيمن على العالم، وفضل العرب الثورات وما صاحبها من قتل وتدمير، والكرة وما في حكمها من نشاطات أقل ما توصف به أنها تافهة بميزان المنطق، ثم يأتي الإعلام العربي ليقول بأسلوب رخيص هو الغش للأمة بعينه: "بدأنا من حيث انتهى الآخرون"، وهذه فرية لا تخلو من وقاحة، ذلك أن كل ما يستهلكه العرب هو من ثمار التفوق الصناعي الغربي، ونسي العرب أن من أهم عوامل التخلف الصناعي عندهم هو انعدام الوعي الذي لا يحسدون عليه والرغبة الغريبة في الائتمار بأوامر الغرب الذي دعاه وضعهم المزري لأن يحظر عليهم أن يستثمروا إمكاناتهم في الزراعة والصناعة كما ينبغي الاستثمار، حفاظاً على ازدهار صناعاته حتى أنهم إلى يوم الناس هذا لا يصنعون دراجة هوائية فضلا عن السيارة والطائرة اللتين يستخدمونهما على مدى أكثر من قرن، ومن هنا أجبر العرب على أن يتخلوا عن معظم ثرواتهم لصالح الغرب على هيئة أثمان لما يحتاجون إليه من مصنوعاته، ولا يعلم إلا الله ماذا كانوا سيفعلون لو لم يكتشف النفط في بعض أقاليم الوطن العربي الكبير، وقد ذهب المتنورون منهم إلى الاعتقاد بأن الغرب لا ولن يرضى بانتهاء المشكلات العربية التي يدبرها لهم رغم أنوف من يحلو لهم نفي حقيقة مؤامراته، حتى لا تتوقف مصانعه عن الإنتاج، وبخاصة إنتاج السلاح الذي بات يستهلك أرقاماً فلكية من ميزانيات دولهم، وإذا كان ذلك قد حدث في الماضي فما هو عذر العرب وهم يعيشون الألفية الثالثة ثم لا نرى في الأفق ما يبشر بفتح صناعي كالذي حدث في كوريا واليابان أو حتى تركيا؟! ترى.. هل يستطيع الإنسان العربي أن يحس بعروبته، أو حتى بكرامته وهو يشعر بأنه عالة على الغرب في الجانب الصناعي?!.. حقا إنها مشكلة..