مضت تلك الليالي الهانئة، والأمسيات الهادئة، وتصرمت تلكم الأوقات العامرة بالقرآن الكريم، والساعات التالية العاطرة بالآي الحكيم، وهكذا تطوي مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره صفحة في سجل الزمان عالقة، وذكرى في دفتر الأيام عابقة، بعد أن أكملت خمسة وثلاثين عاماً في تكريم أهل القرآن، وتشجيع الشباب المسلم في العالم كله على تعلمه وحفظه، وإتقان تلاوته، ومعرفة تفسيره، والسير على نهجه القويم وصراطه المستقيم. نحمد الله تعالى ونشكره على توفيقه ونعمه، ونثني عليه الخير كله بعد تلك النجاحات المشرفة، والصورة البهية المشرقة، والمظهر الجميل الذي ظهرت به المسابقة، وما ذاك إلا بفضل المولى سبحانه، ثم تكاتف الجهود، والعمل الجاد، وفق خطة متقنة، وهدف واضح. وإنَّ من فضل الله تعالى ما تهيأ لنا من تعاون مستمر، وعطاء كبير، ومساعٍ متعددة لإنجاح هذا المؤتمر القرآني الفريد من قبل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، التي كانت لها اليد الطولى في التعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ومؤازرتها ومساندتها، حيث حملت على عاتقها مسؤولية إبراز المسابقة بالمقام المشرف والمكان اللائق بها، وعلى رأس الهرم فيها والذروة منها معالي الشيخ الدكتور: عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، بارك الله في جهوده وسدد مسعاه، فقد فتح قلبه قبل مجلسه، وأشرع صدره قبل مكتبه، وأولى المسابقة عناية فائقة، وخصَّها – مع كثرة مشاغله – بأجزاء من وقته الثمين، ذلل الصعاب، وأزال العقبات، وبسط كل ما استعصى، ووفر كل ما يخدم المسابقة، ويرفع شأنها، ويجعلها في المكانة العليا، والمنزلة الأسمى، وبذل جهده وجاهه في سبيل أهل القرآن، استقبل المشاركين في المسابقة بوجهٍ بشوش، وابتسامة ناضرة، وكلمات ساحرة، فأكرمهم خير الإكرام، ولاطفهم ملاطفة الأب لأبنائه، وماذاك إلا أنهم من أهل القرآن الكريم، الذين هم أهل الله وخاصته، لقد ترك في حسن استقباله للمتسابقين وكرم ضيافته لهم أثراً جميلاً في نفوسهم، ورسم بصمة باقية في قلوبهم، ونحت ذكرى عزيزة في الأفئدة لا تزول مع كر الأيام، ولا تُمحى مع تعاقب الليالي، فانقبلوا إلى بلدانهم يحملون الذكريات العاطرة، وعبق الليالي الساحرة، في ضيافة إمام المسجد الحرام، ذي الصوت الرخيم والتلاوة الندية، بعد أن بسط لهم أياديه البيضاء، وعطاءه السخي. وأما على الصفة الشخصية فقد لقيتُ من معاليه الإرشاد والتوجيه، وسعة البال ودماثة الخلق، لم يأنف من طلب الاجتماعات، ولم ينزعج من كثرة اللقاءات، بل كان حريصاً على ذلك، يبذل المشورة، ويعطي النصيحة، في أسلوب أخوي كريم، وفق الهدي النبوي القويم. تلك خاطرة عجلى، جاءت في كلمات خجلى، تقصر عن الوفاء بحق ذلكم الرجل المفضال، وما أسداه لأهل القرآن العظيم، فأسأل الله تعالى أن يمده بالصحة والعافية، وأن ينفع به الإسلام وأهله، وييسر له سبل الخير والطريق إليه، وأن يجعل ما قدمه في ميزان أعماله الحسنة، ولا يشكر الله تعالى من لا يشكر الناس، وعلى دروب القرآن نلتقي. *أمين عام مسابقة القرآن الكريم