قبل بضعة اسابيع من بداية العام الدراسي، تدرك سابينا شهيتش التلميذة المتفوقة من بين تلامذة قريتها الواقعة في قلب البوسنة انها ستبقى هذه السنة في المنزل لأن والديها غير قادرين على تأمين قسط المدرسة. ويقول والدها نياز شهيتش (40 سنة) والأسف باد على وجهه «اود لو تكمل دراستها لكن هذا غير ممكن وليس في اليد حيلة». وكان من المفترض ان يتم تسجيل سابينا (16 سنة) في ثانوية زينيكا (وسط) وهي اقرب مدينة إلى قريتها فوكوتيشي اذ تبعد عنها 40 كلم. وكانت مستعدة للنهوض باكرا كل يوم وقضاء النهار باكمله في زينيكا وانتظار الباص الذي يوصلها في المساء إلى مكان عليها السير منه على الاقدام لمدة ساعة قبل بلوغ منزلها. وسابينا الفتاة النحيلة ذات الشعر الاشقر الطويل تقول بحزن شديد «انه امر مؤسف، لكني فهمت ان هذا غير ممكن وانه من غير المجدي الكلام عن الموضوع مجددا مع والدي». وكانت اجرة الباص لتكلف عائلتها التي لا تملك الا بقرة وبستان خضار، ثلث معاش الوالد الذي يعمل في سكة الحديد. ولا تشكل سابينا حالة استثنائية في قرية فوكوتيشي الجبلية. ففي مدرسة القرية، يتعلم الصغار الكتابة وبعض المبادئ الحسابية، لكن الكثير منهم يقفون عند هذا الحد من التعليم بعد اربعة اعوام دراسة فقط. وتتحدث ميرسادا عن ابنها البالغ من العمر 14 سنة الذي لن يذهب هو الآخر إلى المدرسة هذا الخريف قائلة «انه ينفع اكثر اذا بقي في المنزل للاهتمام بالمزروعات او الحيوانات». والواقع انه بعد عشرة أعوام على انتهاء الحرب في البوسنة (1992-1995)، يتزايد عدد الاطفال الذين يضطرون إلى وقف دراستهم بسبب الفقر، مما بدأ يثير قلق السلطات والمنظمات الدولية بشكل جدي. وكشفت احصاءات نشرها مكتب الأممالمتحدة في البوسنة ان حوالي 30٪ من التلامذة البوسنيين لا يصلون إلى المرحلة الثانوية وحوالي 4٪ من الاطفال لا يذهبون إلى المدرسة الابتدائية على الرغم من كونها اجبارية. ويضطر الوالدان إلى دفع غرامة في حال لم يرسلا ابنهما إلى المدرسة الابتدائية. وفي هذا البلد الصغير في منطقة البلقان الذي يبلغ عدد سكانه نحو اربعة ملايين نسمة والذي يتطلع إلى التقرب من الاتحاد الاوروربي، تشكل هذه الارقام تحديا حقيقيا خصوصا ان اوروبا حددت هدفا لها بخفض نسبة التخلي الباكر عن الدراسة إلى 10٪ بحلول 2010. ويقول محمد سوليتش وهو مدير مدرسة ابتدائية بالقرب من زينيكا ان «امام الناس الاختيار بين المدرسة او لقمة العيش». ويقول سكان فوكوتيشي ان السياسيين اعتادوا الظهور في القرية عشية الانتخابات. اما الشرطة فلا تحضر الا عندما تريد اجبار رب العائلة على دفع غرامة قيمتها 250 يورو لرفضه ارسال ابنهم إلى المدرسة. ولمن لا يستطيع تأمين هذا المبلغ، تتحول الغرامة إلى عقوبة السجن لمدة عشرة ايام. ومنذ بضعة اعوام، لم يتمكن عزيز وايكونا من ارسال احدى بناتهما إلى المدرسة لاسباب مادية. وتقول ايكونا «طالبتنا الشرطة بدفع ضعف الراتب الشهري لزوجي الذي يعمل في مصنع فولاذ في زينيكا. وقد اخذوه إلى السجن». اما والدا سابينا، فيأملان في تسديد في اسرع وقت ممكن القرض المصرفي الذي سمح لهما باعادة ترميم منزلهما الذي دمر اثناءالحرب.