لم ولن تتوقف أضرار العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الخليجي عامة والمملكة بصفة خاصة على النواحي المادية والأمنية فقط بل تجاوز ذلك إلى الإخلال بالتركيبة السكانية للمجتمع محدثة شرخاً كبيراً في مقوماته اللغوية وعاداته وتقاليده بل تجاوز ذلك إلى الأمور العقائدية إضافة لما طرأ من تغيير على العادات والتقاليد التي تأثرت بالغرب وعرف المجتمع أنماطاً من الجرائم لا علم له بها من قبل مثل القتل والزنا والمخدرات والرشى والسرقات، وما كشفته الحملات الأمنية التي شهدتها بعض مناطق المملكة إلا دليلاً على ذلك وجميعها مشكلات تستطيع السلطات الأمنية السيطرة عليها في كثير من الأحيان، إلا أن المعضلة التي لا يمكن التغلب عليها تكمن في تأثر الأطفال بالعناصر الوافدة من الخدم والسائقين خاصة اللغة التي اعتراها كثير من الضعف وتغيرت عند الأطفال بعد اختلاطها بالاندونيسية والهندية لتشكل لغة جديدة تعرف باسم الأندوعرب والهندوعرب يتقنها الصغار أكثر من العربية. صحيفة «الرياض» تسلط الضوء على هذه الظاهرة وتبحث عن الإجابة من أصحاب الشأن الذين لحقهم الأذى وتضرروا من تلك العمالة إضافة لعرض ذلك على المختصين لبحث أسبابها ونتائجها والضوابط والاجراءات الكفيلة للحد منها. قصص تدمي القلوب من الأمور الطبيعية جداً أن تهرب الخادمة والسائق من كفيلهما أو أن يسرق أحدهما مجوهرات أو مبالغ نقدية من المنزل أو يتمارضون عن العمل، فهذه أمور قد تحدث. أما أن تقدم تلك العمالة على إيداء الأطفال ومحاولة قتل العائلة بأكملها أو إجبار الأطفال على تقليدهم وإتباع على ما يفعلون بحكم وجودهم معهم أغلب الوقت فهذا ما يصعب ابتلاعه والسكوت عليه. تقول (ص.م.أ) التي تعمل معلمة في إحدى مدارس الطائف أنها تضطر لترك ابنتها الصغيرة في رعاية الخادمة التي كانت تطمئن إليها جداً أن ابنتي التي تبلغ من العمر خمس سنوات أثارت قلقي عندما لاحظت عليها كثيراً من التصرفات الغريبة مثل تأخرها في النطق وطلبها بعض الأشياء بكلام مكسر وأحياناً باللغة الهندية ولكن الذي زاد خوفي عندما أخذتها معي للسوق بعد صلاة العصر وعندما شاهدت الشمس خضعت لها وتذللت وقالت ماما شوفي الله ربنا تقصد الشمس وعندما نهرتها وقلت لها حرام أخذت في الصراع وأشارت إلى أن الخادمة الهندية ساندرا سوف تعاقبها على ذلك واستطردت الحديث قائلة: بعد ما سمعته من طفلتي قررت مراقبة الخادمة وأوهمتها ذات يوم بأني ذاهبة لدوامي المعتاد وشددت عليها بالحرص على الطفلة وبعد نصف ساعة من خروجي عدت إلى المنزل والخادمة نائمة وانتظرتها لتصحو ومن ثم مراقبة جميع تصرفاتها وماذا تعمل مع طفلتي الصغيرة وبعد أن تناولت الإفطار خرجت الخادمة مصطحبة الصغيرة معها إلى فناء المنزل وأخذت تمارس عبادتها للشمس وابنتي تقوم بتقليدها بل رأيت الخادمة تجبرها بالقوة على السجود للشمس ولم أتمالك نفسي من هول الصدمة وانطلقت إلى الخادمة ونهرتها واحتضنت طفلتي التي تفاجأت بوجودي في المنزل على غير المعتاد فقررت بعد ذلك أنا وزوجي تسفير الخادمة على الفور وعدم استقدام أخرى حتى لا تتكرر مأساتي بينما سجلت طفلتي في رياض الأطفال وعند العودة من المدرسة نأخذها معنا إلى المنزل. أم محمد موظفة تتحدث عن مشكلتها وتقول: إن مشكلتي كبيرة بعد أن اكتشفت أن ابني الذي يبلغ من العمر خمس سنوات لا يتكلم اللغة العربية بطلاقة ويتحدث بلغة عربية مكسرة وفي كثير من الأحيان ينطق بعض الكلمات الغريبة التي اكتشفنا فيما بعد أنها كلمات اندونيسية وبسؤالها عن سبب ذلك؟ قالت: يعود ذلك للاعتماد الكلي على الخادمة في تربيته ورعايته منذ الصغر حتى في المتنزهات والحفلات تشرف عليه الخادمة حتى اكتسب هذه اللغة مما جعلني أقع في مشكلة كبيرة بسبب الاختيار بين العمل ورعاية أبنائي فقررت بعد ذلك الاستغناء عن الخادمة وتفرغت لتربية أبنائي وأشارت إلى خطئها الكبير في اعتمادها الكلي على الخادمة في تربية أطفالها الصغار. ونبه المواطن عبدالله العقيل إلى خطورة تربية الطفل لدى أكثر من خادمة مشيراً إلى أن تعدد الثقافات من شأنه أن يشكل لنا طفلاً سلبياً وقال من المواقف التي جعلتني أنا وزوجتي نستغني عن الخادمة تأثر طفلتي الصغيرة التي تبلغ السادسة من العمر بجميع تصرفات الخادمة الهندية حتى في اختيار الملابس علاوة على طريقة نطقها التي اعتراها شيء من التغير وأصبحت تتحدث لغة عربية مكسرة ممزوجة باللغة الهندية ولم نشعر بذلك إلا بعد اتصال المرشدة الطلابية في المدرسة على والدتها التي أوضحت لها أن ابنتها تعاني في المدرسة بسبب عدم إجادتها اللغة العربية وبعد البحث عن سبب ذلك اكتشفنا أن السبب يعود لملازمة طفلتي الخادمة أغلب فترات اليوم وتحدثها معها باللغة الهندية بشكل مستمر. وأشار الأستاذ عبدالعزيز سعيد الثبيتي عن الأمور السلبية التي نجدها الآن في المجتمع السعودي الاعتماد على الخدم والسائقين في جميع أعمال المنزل بما فيها تربية الأطفال وهذا بالطبع له نتائج سلبية اجتماعية على الأسرة من بينها تقليد الأطفال الصغار وخاصة في المرحلة الابتدائية السائقين في كل شيء إضافة إلى بعض العادات السيئة التي يكتسبونها منهم مثل التدخين وتناول الأفلام الخليعة دون علم الأسرة كما أن العادات والتقاليد يشوبها بعض التغير مثل الانفتاح والتحرر. ٭ «الرياض» نقلت هذه المشكلة إلى رجال التخصص والمعرفة والتقت الأستاذ عبدالله بن علي الأنسي محاضر مادة علم النفس والنمو عضو هيئة التديس بكلية المعلمين في الطائف حيث قال عن ذلك: لا شك أن مشكلة انتشار العمالة المنزلية الوافدة بأسمائها المختلفة خادمة، شغالة، مربية، يضاف إليها السائق من أهم المشكلات الخطيرة التي تواجهها الأسرة بصفة خاصة، والمجتمع بصفة عامة التي لا تزال تنمو وتتطور هي مشكلة مثيرة غريبة غزت الأسرة السعودية وبشكل فاق كل التصورات من حيث حجمها واتساعها واختلاف مصادر الاستقدام، فالأرقام المتداولة تبين أن أعدادها داخل الأسرة السعودية قد تجاوز الحد المعقول، هذا يعني أن عشرات الآلاف من الأبناء من الجنسين يتلقون تربيتهم على أيدي الخادمات الغريبات عن المجتمع والبعيدة كل البعد عن قيمه الدينية والثقافية، حتى أصبحت الأسر لا يمكنها الاستغناء عنها أو الحد منها أو الحد من إشرافها على إدارة الأبناء، بل لقد وصل الأمر إلى أن بعضاً من الأسر تصاب بالشلل التام والعجز عن القيام بأي دور كانت تقوم به الخادمة إذا ما مرضت أو سافرت فجأة؟ وكذلك الأمر بالنسبة للسائق..؟ وأشار الأنسي إلى أن المرحلة التشكيلية أو الطفولة المبكرة هي مرحلة غرس القيم والمفاهيم والمبادئ المقبولة التي تحتاج إلى مستويات من القدرة والتمثيل الاجتماعي لتنمية الضمير والذات العليا خاصة في هذا العصر المعولم الذي يحتاج إلى وجود الأم كضرورة أساسية لتدريب الأبناء من الجنسين على كيفية تركيب الكلمات والجمل بصورة صحيحة مما يساعدهم كثيراً لاتساع دائرة اتصالهم بالعالم الخارجي المحيط بهم لاكتساب أنماط السلوك الجديدة والمهارات وإثراء حصيلتهم اللغوية والثقافية التي تمكنهم من ممارسة العلاقات الإنسانية الاجتماعية الخاصة والعامة تحت إشراف الأم وتوجيهاتها والتي ستساعدهم مستقبلاً على اقتحام الحياة والمرحلة القادمة بثبات وقوة وثقة تحقق لهم القبول والنجاح بعيداً عن الخوف والفشل. وأكد الأنسي أن الاعتماد على الخدم في تربية الأبناء خلق لدينا مشكلة دينية، تربوية، اجتماعية، نفسية، ثقافية، سلوكية، اقتصادية وأمنية خطيرة جداً خاصة بعد الدراسات الميدانية والاستطلاعية التي حذرت الأسر من الآثار المترتبة من الاعتماد على العمالة الوافدة لما تمثله من خطر حقيقي عندما تترك مسؤولية التربية والإشراف على الأبناء من الجنسين على الخادمة أو السائق بإرادتهم وموافقتهم ومباركتهم دون أن تسأل الأسر نفسها كيف هو تفكيرها؟ ما مستواها الثقافي؟ اتجاهاتها الفكرية والعقائدية والسلوكية، كل هذه الأمور تتجاهلها الأسر لعدم إدراكها لعواقب هذه الأمور إلا بمرور الزمن عندما تصبح العلاقة بين الأبناء والآباء والأمهات قاسية، جافة تفتقر إلى عاطفة الأمومة، الأبوة، خاصة عندما ينصرف الأبناء من الجنسين عن أمهاتهم ويتعلقون بخادماتهم ووسط هذا الاغتراب الأسري تكون الأسرة عبارة عن: آباء بلا عاطقة أو توجيه. أمهات بلا حنان أو إشباع لحاجات الأبناء من الجنسين للوسيلة التي تساعدهم على التخلص من الخادمة والسائق في المنازل واللذين غزيا الأسر وأصبحا يستحلان خصوصية الأسرة، ينشرون أوباؤهم الفاسدة التي كان من نتائجها ما يلاحظ أبناء مشردين لا دور لهم في الأسرة ولا في المجتمع أو الحياة سوى الفراغ القاتل حتى لم يعد العمل عندهم قيمة ولا الوقت أيضاً كل هذا يحدث وأمام بصر وسمع الأسرة وهم صامتون ولم يقدموا للأبناء من الجنسين الوسيلة التي تساعدهم على التخلص من سموم الخادم والسائق في المنازل التي كان من نتائجها ما يلاحظ من ترسبات لكثير من التراكمات والأمراض والعقد النفسية والاجتماعية والسلوكية التي يعيش فيها هذا الجيل من الجنسين والأسر غافلون عما يدور حولهم وكأن الأمر لا يعنيهم أو كأنهم يعيشون في كوكب آخر. فظهر نتيجة لذلك صراع بين جيلين للاختلاف الكبير وازدواجية السلوك والتعامل في داخل الأسر وخارجها مما جعلهم غير قادرين على التكيف أو التعامل في ظل هذه الازدواجية التي شكلت خروجاً عن المألوف فكراً وأخلاقاً وسلوكاً وسط مغريات سهلة وضغوط شديدة مختلفة جعلت الأبناء من الجنسين في قلق دائم وتردد لعدم امتلاكهم التحقق الذاتي أو امتلاك البدائل الواقعية المقنعة مما تسبب وبشكل مباشر في زيادة الخلل بالتركيبة السكانية التي اعتراها الكثير من جميع النواحي خاصة لغتنا العربية التي أصبح أبناؤنا في منأى عنها بسبب تأثرهم وارتباطهم القوي بالخادمات. ولكي نتغلب على هذه المشكلة قال الآنسي يجب على الأسر خاصة أن تعرف وتعي أن دورها التربوي لا تستطيع أن تقوم به الخادمة فرعاية وتوجيه الأبناء من الجنسين في السنوات التشكيلية من الميلاد حتى سن السادسة من العمر يحتاج للأم التي تعد العنصر الأساس لبناء المجتمع. لأنك عندما تثقف رجلاً تثقف فرداً وعندما تثقف امرأة تثقف شعباً.