في الثامن من نوفمبر 2013، ضرب الفلبين إعصار قوي، عرف باسم "هايان"، خلّف آلاف القتلى، وحوالي نصف مليون مشرد، ونحو عشرة ملايين متضرر. ونجمت معظم الوفيات، فيما يبدو، عن أمواج عاتية، سوت منازل بالأرض، وأغرقت المئات، في إحدى أسوأ الكوارث الطبيعية التي تضرب الفلبين. والإعصار هايان هو أقوى إعصار يضرب الكرة الأرضية في التاريخ المسجل، وقد صنف في الدرجة الخامسة، التي تُعد الأعلى في قوة الأعاصير. إنه فعلاً إعصار القرن. الإعصار هايان هو أقوى إعصار يضرب الكرة الأرضية في التاريخ المسجل، وقد صنف في الدرجة الخامسة، التي تُعد الأعلى في قوة الأعاصير والرقم القياسي السابق سجله الإعصار كاميل، الذي ضرب ولاية ميسيسيبي الأميركية في العام 1969. وقد رافقت الإعصار هايان أمواج عاتية، بلغ ارتفاعها عدة أمتار، ورياح فاقت سرعتها الثلاثمائة كيلومتر في الساعة. ودمر ما بين سبعين وثمانين بالمائة من المنشآت والبنى الواقعة على مساره. وتضررت نتيجة هذا الإعصار، بشكل خاص جزيرتا لييتي وسامار، الواقعتين وسط الفلبين، وكانتا ضمن مساره المباشر حين ضرب البلاد. كما مر الإعصار أيضاً في مناطق أخرى، على امتداد 600 كيلومتر. وتعد جزيرة لييتي، التي تضم 1.7 مليون نسمة، وعاصمتها تاكلوبان، الأكثر تضرراً بالعاصفة، على الإطلاق. ووفقاً للمجلس الوطني للحد من مخاطر الكوارث وإدارتها، تضررت من الإعصار أكثر من مليوني أسرة (ما يقرب من 10 ملايين شخص) في 41 من أصل 82 مقاطعة في البلاد. وأعلنت وزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية أن عدد النازحين بلغ أكثر من 584 ألف شخصاً، من بينهم حوالي 320 ألفاً متواجدون في مراكز الإجلاء. وقال مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: إن عمليات مسح جوية أظهرت دماراً كبيراً بالمناطق الساحلية، حيث جنحت السفن الكبيرة على الشاطئ، ودمرت منازل كثيرة، وأتلفت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية. وقال سباستيان رودس ستامبا، رئيس فريق الأممالمتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق (UNDAC) إن "آخر مرة رأيت فيها شيئاً على هذا النطاق كانت في أعقاب كارثة تسونامي المحيط الهندي". وكانت تاكلوبان ميناء نشطاً وصارت الآن خراباً يباباً. وقالت مانيلا إن الإعصار محا حكومة تاكلوبان من الوجود، وإن الجيش هو فرع الحكومة الوحيد الذي ما زال يعمل هناك. والفلبين دولة آسيوية، تبلغ مساحتها 300 ألف كيلومتر مربع، وتقع في المرتبة 73 عالمياً على هذا الصعيد، وهي عبارة عن أرخبيل يتوزع على سبعة آلاف جزيرة، يعتبر الأكبر في العالم من حيث عدد الجزر، كما يزيد طول سواحل البلاد على 36 ألف كيلومتر. وقبل أن يصل الأسبان في العام 1516 إلى مجموعة الجزر التي أصبح يطلق عليها اليوم اسم جمهورية الفلبين، لم تكن هذه الجزر بلداً واحداً، بل مجموعة جزر تعيش فيها قبائل عديدة، وتمثل امتداداً للأرخبيل الإندونيسي الأكثر اتساعاً، وقد أخذت تسميتها نسبة إلى فيليب، الذي أصبح فيما بعد فيليب الثاني، أحد أشهر ملوك أسبانيا في القرن السادس عشر. ويبلغ عدد سكان الفلبين 105.7 ملايين نسمة، وهي تقع في المرتبة الثانية عشرة عالمياً على هذا الصعيد، وذلك وفق مؤشرات العام 2013. وفي العام 2012، بلغ الناتج القومي الإجمالي للفلبين431.3 مليار دولار، وحققت نمواً في العام ذاته قدر ب 6.6%. ويرتكز اقتصاد البلاد على الخدمات، التي ساهمت بنسبة 57.1% من الناتج القومي الإجمالي في العام 2012، في حين ساهم القطاع الصناعي بنسبة 31.1%، وقطاع الزراعة بنسبة11%. والفلبين هي أول يابسة تبلغها العواصف التي تتشكل فوق المحيط الهادئ، وتشهد سنوياً نحو عشرين عاصفة أو إعصاراً كبيراً، تحدث عموماً بين حزيران يونيو وتشرين الأول أكتوبر. وفي 20 يونيو 2008، خلف الإعصار "فينغشن" مئات القتلى والمفقودين في البلاد، كما أحدث انزلاقات للتربة، خصوصاً في مناطق الوسط. وفي الفترة من 26 وحتى 30 سبتمبر 2009 تعرضت كل من الفلبين وفيتنام ولاوس لعاصفة استوائية. وفي يومي 16-17 ديسمبر 2011، ضربت العاصفة "واشي" جزيرة مينداناو جنوبالفلبين، موقعة 1268 قتيلاً وأكثر من سبعمائة ألف منكوب. وبعد عام، ضرب الإعصار "بوفا" الجزيرة ذاتها، وتسببت الفيضانات وانزلاقات التربة الناجمة عنه، في مقتل وفقدان 1900 شخص، وتدمير ألفي بلدة. وفي خططه الخاصة بمواجهة آثار الإعصار الجديد هايان، أعلن الرئيس الفلبيني، بنينو أكينو، حالة الكارثة الوطنية في مدينة تاكلوبان، الأمر الذي يسمح للحكومة باستخدام الأموال الحكومية للإغاثة وبالتحكم في الأسعار. وقال الرئيس أكينو إن الحكومة خصصت حوالي 433 مليون دولار لإعادة التأهيل. ويواجه اكينو حالياً واحدة من أكبر التحديات التي شهدها حكمه. وحددت الحكومة الفلبينية أولوياتها الإغاثية في إرسال أفراد لإصلاح خطوط الاتصال، وقوات أمن لوقف أعمال النهب، ومهندسين عسكريين لإصلاح الجسور والطرق، والانخراط في عمليات البحث والإنقاذ. وبداية، تعرقلت عمليات الإنقاذ، بسبب الدمار الذي لحق بالطرق والمطارات والجسور، أو تكدس الحطام عليها، جراء الأمواج العالية والرياح، وأعطيت الأولوية القصوى لفتح ممرات للإغاثة. ودعت الفلبين المجتمع الدولي للمساعدة على مواجهة آثار الكارثة التي حلت بالبلاد، وأعلنت بأن 28 دولة، وعشرات المنظمات غير الحكومية، قد أبدت استعدادها لتقديم معونات عاجلة للمناطق المنكوبة. وكانت الولاياتالمتحدة في طليعة الدول التي أعلنت إرسال مساعدات إغاثية لهذه المناطق. وقال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في بيان: إن واشنطن "تقدم بالفعل مساعدات إنسانية كبيرة، وإننا على استعداد لمساعدة جهود الإغاثة التي تقوم بها الحكومة (الفلبينية) بشكل أكبر". وقدمت الحكومة الأميركية مساعدات فورية تضمنت 55 طناً من المواد الغذائية و100 ألف دولار للمياه ودعم الصرف الصحي، بالإضافة إلى نشر 90 بحاراً وفرداً من قوات مشاة البحرية. كذلك، أمرت وزارة الدفاع الأميركية حاملة الطائرات جورج واشنطن، وسفناً أخرى تابعة للأسطول الأميركي، بالتوجه إلى الفلبين لتقديم الدعم الإنساني. وتقل حاملة الطائرات هذه خمسة آلاف بحار، وأكثر من ثمانين طائرة، بينها خمس عشرة مروحية من طراز "أم أتش 600 سيهوكس". ورافق حاملة الطائرات طرادان ومدمرة، وجميعها مجهزة بمروحيات. وسوف تنضم هذه التجهيزات إلى مدمرة أخرى، وسفينة تموين، شقت طريقها إلى المنطقة. ومن شأن الحاملة الأميركية وطائراتها أن تسرع من وتيرة توزيع المساعدات، وتضمن إجلاء المزيد من الناجين المصابين. وتبقى القضية الرئيسية التي على المجتمع الدولي العمل على مواجهتها تتمثل في وقف تصاعد الاحتباس الحراري. ورغم أنه من غير الثابت أو الأكيد أن الاحتباس الحراري يعد سبباً في تشكل الأعاصير والعواصف العاتية، إلا أن التصدي له يبقى عاملاً حيوياً لسلامة الأرض وسكانها. ويؤدي الارتفاع في نسبة غازات الاحتباس الحراري إلى زيادة الإشعاع في الغلاف الجوي، مما يتسبب في ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض وتغير المناخ. وفي أيلول سبتمبر 2013، ذكر خبراء المناخ ان حرارة الأرض قد ترتفع خمس درجات مئوية إضافية، بحلول نهاية القرن، في حال لم تتخذ إجراءات عاجلة. ولا يؤثر تغيير المناخ، الناجم عن الانبعاثات الغازية، على الغلاف الجوي والبحر فحسب، بل كذلك على جيولوجيا الأرض، التي فقدت من التربة السطحية في القرن العشرين ما فقدته على مدى الألف عام السابقة. وقد حددت الأممالمتحدة العام 2015، كموعد نهائي للتوصل إلى اتفاق عالمي جديد لخفض الغازات الدفيئة، تشارك فيه كافة الدول، بما في ذلك الصين والهند. وسيكون هذا الاتفاق، المقرر توقيعه في باريس، بديلاً عن بروتوكول كيوتو، وسيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من العام 2020. وفي نهاية العام 2012، طلبت الدول النامية مساعدة مالية لمواجهة آثار الاحتباس الحراري، قدرها ستون مليار دولار حتى العام 2015. وذلك للانتقال من المساعدة الطارئة، البالغة 30 مليار دولار، التي تقررت للعامين 2010-2012. وسبق أن وعدت البلدان الغنية بتوفير 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية، اعتباراً من عام 2020. وأياً يكن الأمر، فقد بات التغيّر المناخي قضية مركزية في حسابات الشعوب والأمم. وأصبح عنصراً رئيسياً في مقاربات أمنها القومي. وفي حين يجب أن تتجه الأنظار إلى السياسات بعيدة المدى، فإن المجتمع الدولي معني في هذه اللحظة بالوقوف مع ضحايا الفلبين، وتقديم كل ما يلزمهم من عون وإغاثة وإيواء. وهذا التزام أخلاقي وأدبي.