تطبيق سياسة الآفاق المفتوحة، لا تقبله الدول التي تعتقد أن العلاقات بين طرف قوي وآخر أقل، يجب أن تبقى ضمن دائرة نفوذها وقيودها التي تربطها بالدولة الأخرى، وقد شهدنا هذه العلاقة غير المتوازنة مع حلفاء أمريكا والاتحاد السوفياتي، حتى إن تمرد بعض دول أوروبا الغربية على الوصاية الأمريكية بدأ من فرنسا فإيطاليا ثم اليونان، وهي دول كان للتيار اليساري دور فاعل فيها.. الاتحاد السوفياتي كان أكثر قسوة حتى إن أي بلد يخرج عن طاعته تتدخل قوات حلف وارسو بردعه، وربيع (براغ) كان أحد الشواهد بغزوها وإسقاط المعارضة ما أثار العالم على اتجاه كان يتعارض وسيادة كل بلد، لكن روابط ومواثيق الأحلاف كانت تعطي حق القوة للدولة المهيمنة، وحق التدخل فيها ما أدى إلى القبض على زعيم الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي «الكسندر دوبتشيك» وترحيله لموسكو بسبب اتجاهه الإصلاحي الذي دعا إليه، واعتبرته موسكو تمرداً قد يحل روابطها مع تلك الدول.. في الوطن العربي حاولت بعض الدول لعب دور فتح النوافذ مع كل الأطراف، لكن المرحلة لم تسمح لأن سياسة «إما أن تكون معي أو ضدي» كانت هي السائدة، والسبب أن التبعية جاءت من قيود التسلح والاتفاقات التجارية والاقتصادية، ومظلة الحماية من الخصم المقابل، وهي قوة الضغط على تلك الدول في مرحلة القطبية الثنائية بين الشرق والغرب.. أمريكا ما بعد زوال الاتحاد السوفياتي صاغت سياسة القطب الواحد، أي القادر على تمرير نفوذه بمختلف وسائل الضغط، وبالفعل استطاعت أن تغزو وتغيّر أنظمة وتستبدلها بأخرى، وتجعل علاقاتها مبنية على مبدأ التسليم فظهرت فلسفات نهاية التاريخ، وصراع الحضارات، والدبلوماسية الخشنة واللينة، وبقية المصطلحات التي أطلقتها أمريكا باسم السادة والعبيد لبناء وتشكيل نظام عالمي جديد يدور في فلكها باسم الديمقراطية وحسم الصراعات لصالحها، غير أن مركزية القوة اهتزت بعد الإفراط في الحروب وتكبد الخسائر العسكرية والمادية الهائلة، وتصوير أمريكا بعدو العالم المطلق دون مراعاة لحقائق الواقع وتنامي الوعي العالمي الذي حسم الأمر بأن أعاد أمريكا إلى واقعها ومراجعة سياساتها ومغامراتها.. في الدول العربية، انقسمنا بين مختلف التيارات والمعسكرات، وصرنا «لعبة الأمم» نتيجة فراغ سياسي هائل، وصعوبة بلورة سياسة متوازنة بين أطراف الصراع العالمي، لكن المرحلة الجديدة بدأت تكسر عمود القوة بتعدد أقطاب بعضها استعاد دوره مثل روسيا، وأخرى قادمة مثل الصين بتصاعد نفوذها الاقتصادي والذي تدعمه قدرات بشرية تعد الأولى سكانياً، وهنا أصبح الدور لا تحتكره قوة أحادية الجانب تفرض نفوذها بمفهوم القطب الواحد.. أحداث المنطقة العربية في ربيعها وشبه خريفها، فرضت على دول مثل المملكة بأن تراعي الفوارق الزمنية ودورة أفلاك القوة العالمية، ولذلك كان لابد من القبول بسياسة مبدأ الآفاق المفتوحة مع كل الأطراف في أمريكا وأوروبا وآسيا، ونسيان القطيعة مع الاتحاد السوفياتي عندما كان يصعّد شعار الحرب على الأديان، واستخدام النزعة الثورية الأممية فجاء التعامل مع روسيا ضرورة يفرضها المتغير العالمي الجديد، خاصة وأن المملكة لا تبحث عن مقايضات أو صداقات مدفوعة الثمن تخضع لصاحب المصلحة الأولى، وطالما لا تحتاج إلى معونات بحكم استقلال قرارها المادي، فقد جاءت الظروف لتفرض عليها التعامل مع كل الأطراف بدون أحكام مسبقة، وهي الصيغة التي ترفع مستوى تحقيق مصالحها دون قيود، وبنفس التماثل بالقوة الاقتصادية والسياسية، ولذلك تأتي الزيارات والاتصالات مع حكومة موسكو لهذا الغرض، وبدون أن تقفل الأبواب مع أطراف أخرى كما اعتدنا في سياسات عربية متقلبة خضعت للأمزجة والأدوار المتقلبة..