تتعرض "المملكة" بين الحين والآخر لحملات إعلامية مضادة من قبل وسائل إعلام خارجية عبر بث معلومات مغلوطة تحاول النيل منها على كافة الأصعدة الاجتماعية والدينية والاقتصادية والثقافية، فدولتنا العربية الإسلامية التي هي قبلة العالم الاسلامي ومهبط الوحي ومهد الرسالات السماوية مستهدفة من عدة جهات خارجية تسعى دوماً للنيل منها والمساس بأمنها ووحدتها والتقليل من حجم منجزاتها الحضارية، وعلى الرغم من ذلك فإن إعلامنا الخارجي ظل واقفاً مكتوف الأيدي إزاء تلك الهجمات، وعاجزاً عن الرد على تلك الاتهامات المؤدلجة، في ظل عدم قدرة إستراتيجيتنا الإعلامية على التخاطب مع الإعلام الخارجي لتعديل الصورة النمطية عن المملكة، تلك الصورة المتراكمة تاريخياً والمرتبطة بما صاغه بعض الأدباء والرحالة الغربيون والمستشرقون بعد ذلك، إلى جانب الصورة القاتمة التي أفرزتها أحداث ال (11) من سبتمبر. وهناك من يرى أن دور إعلامنا الخارجي في هذا الجانب لا يزال دوراً هامشياً، الأمر الذي يتطلَّب وجود مبادرات حقيقية لإعادة صياغة إعلامنا الخارجي بشكل يجعله قادراً على التأثير في وسائل الاعلام العالمية، والتواصل مع العالم الخارجي، ليتمكن بعد ذلك من نقل المواقف الايجابية والجهود البناءة التي تبذلها "المملكة" على المستويين العربي والدولي، إلى جانب سعيها الدائم لرعاية مصالح الأمتين العربية والإسلامية، خاصة أن تلك الحملات عملت على تحوير قضايانا العربية وتشويهها، وسعت إلى إثارة الفتن بين أبناء الوطن الواحد في محاولة لإضعاف جبهتنا الداخلية المتماسكة وزعزعة أمننا واستقرارنا وإشغال أبناء هذا الوطن بقضايا هامشية. ويبقى السؤال المطروح هنا عن أسباب غياب إعلامنا الخارجي عن قضايانا المصيرية، وعن إمكانية وجود مبادرات حقيقية في سبيل التواصل مع العالم الخارجي عبر التقاء الكتاب والمفكرين من الطرفين؛ حتى يبينوا حقيقة الصورة في المملكة دون مبالغة أو تزييف للحقائق، خاصة أنه حدث فيها خلال السنوات الأخيرة تطور كبير على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهل بالإمكان أن نرمي بالحِمل كله على الإعلام الخارجي، أم أن إعلامنا الداخلي يتشارك معه المسؤولية، عطفاً على الانفتاح الكبير على العالم نتيجة التطور الهائل في مجال الوسائل التقنية الحديثة؟ صورة نمطية وقال "محمد رضا نصرالله" - عضو مجلس الشورى في لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية، وعضو الهيئة الاستشارية في وزارة الخارجية -:"لم تتمكن الإستراتيجية الإعلامية من التخاطب مع الإعلام الخارجي لتعديل الصورة النمطية عن المملكة، هذه الصورة المتراكمة تاريخياً والمرتبطة بما صاغه بعض الأدباء والرحالة الغربيون والمستشرقون بعد ذلك"، مضيفاً أن هؤلاء صَوَّروا خطأً الجزيرة العربية في صورة الصحراء، قبل أن تتطور هذه الصورة مع اكتشاف النفط إلى "بئر النفط والبدوي". وأضاف أن صورة الشخص الإرهابي تجلَّت في الشخصية السعودية بعد أحداث ال (11) من سبتمبر، مشيراً إلى أن ذلك يتطلَّب أن يضع الإعلام الخارجي إستراتيجية مؤثرة في وسائل الإعلام العالمية، وهذا يقتضي نقل هذه المسؤولية من "وزارة الثقافة والإعلام" إلى "وزارة الخارجية"، لافتاً إلى أنه يجب على "وزارة الخارجية" أن تطرح موضوع مخاطبة الآخر مع المستثمرين في حقل الإعلام من السعوديين، إلى جانب الحاجة إلى وجود جهد مكثف في سبيل التواصل مع العالم الخارجي عبر التقاء الكتاب والمفكرين من الطرفين؛ حتى يبينوا حقيقة الصورة في المملكة، خاصة أنه حدث فيها خلال السنوات الأخيرة تطور كبير على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بيد أن هذه الصورة مازالت قاتمة؛ لأن هناك موقفاً منحازاً من بعض وسائل الإعلام الأجنبية المتأثرة ببعض المستثمرين الأجانب. وأشار إلى أن تلك المسؤولية الكبيرة ينبغي ألاَّ تكون حكراً على "وزارة الخارجية" أو "وزارة الثقافة والإعلام" أو "وزارة التعليم العالي" عبر الجامعات، بل ينبغي أن ينضم المجتمع الأهلي في استثماراته، مضيفاً أن هناك حاجة لوجود مبادرات خلاقة في ظل توفر الإمكانات المطلوبة، لافتاً إلى أن ما نحتاجه هو أن تتحد الإرادة السياسية والمجتمعية، موضحاً أن هذا الموضوع ليس بالجديد، بل إنه قديم وكثيراً ما يتجدد برمته، وهو يقتضي سياسة إعلامية جديدة غير نمطية، مؤكداً أن الهيئة الاستشارية في "وزارة الخارجية" تشرف حالياً على حوار يدور بين شباب وشابات من المملكة مع شباب العالم، مبيناً أن هذه المبادرة منبثقة عن مبادرة خادم الحرمين الشريفين في الحوار بين الحضارات والديانات. وبين أن هذه المبادرة التي انطلقت من "وزارة الخارجية" قضت أن يسافر مجموعة من شباب وشابات "المملكة" إلى عدد من عواصم الإعلام في بريطانيا وألمانيا والنمسا والهند والصين وغيرها، مضيفاً أنه على الرغم من حداثة هذه المبادرة وقلة الإمكانات، إلاَّ أنها حققت آثاراً رائعة حينما ذهب أبناء هذا الوطن للحوار الحضاري مع شباب العالم، مشيراً إلى أن هذه المبادرة من الممكن أن تتوسع وتتطور بحيث تسهم في نقل الصورة الحقيقية للمملكة. السياسات الخارجية ورأى "د. صدقة بن يحيى بن فاضل" - عضو مجلس الشورى في لجنة الشؤون الخارجية - أنَّ إعلامنا الخارجي ما يزال دون المستوى المطلوب، مستشهداً في ذلك بالنظرة السلبية التي تُروِّج لها بعض الجهات الخارجية عن "المملكة"، في الوقت الذي لا يوجد فيه حتى الآن من يستطيع أن يقف وقفة قوية وجادة في سبيل تغيير هذه الصورة وإظهار الصورة الحقيقية ل "المملكة" وتعزيز مكانتها الكبيرة والرائدة على المستويين العربي والدولي، مشدداً على ضرورة أن تكون السياسات الخارجية مدروسة بشكل جيد؛ لكي لا تُتخذ قرارات تؤثر سلباً في مكانة وسمعة بلادنا الغالية. وأوضح أن للإعلام دوراً كبيراً في عرض الحقائق وتوجيه الجماهير، مشيراً إلى وجود إعلام خارجي مضاد ل "المملكة"، مشيراً إلى أنه حتى في حال اتخذت "المملكة" بعض المواقف الايجابية عبر مواقفها الواضحة والمعروفة التي تخدم الأمة العربية والمصالح القومية الإسلامية، فإن هناك إعلاماً خارجياً يقف من ذلك مواقف سلبية الغرض منها تشويه الصورة الجميلة لبلادنا الغالية وتحجيم الانجازات التي تحققت لها في العقود الأخيرة على جميع الأصعدة، داعياً إعلامنا الخارجي إلى الوقوف بكل قوة في وجه تلك الجهات وبذل كل ما من شأنه إظهار الحقائق المُغيَّبة أمام الملأ ورد كيد الكائدين بنا إلى نحورهم. وشدد على ضرورة أن يواجه الإعلام الخارجي السعودي هذه الوسائل الإعلامية المعادية بالحجة والمنطق وإظهار الحقائق؛ لكي يعلم الجميع حقيقة مواقف تلك الجهات المُغرضة، مشيراً إلى أن هناك تداخلاً كبيراً بين الإعلام والسياسة، لافتاً إلى أن الوسيلة الإعلامية تعد أداة لتحقيق الأهداف السياسية الخارجية لأيّ جهة، موضحاً أن السياسة الخارجية هي مُجمل الأهداف التي تسعى أيّ دولة لنشرها خارج حدودها بكافة الوسائل، مبيناً أن من أهم هذه الوسائل الأدوات الاقتصادية والأدوات الإعلامية والنفسية والقوة المسلحة والدبلوماسية، موضحاً أن الإعلام يعد وسيلة مهمة جداً وفاعلة في سبيل تحقيق أهداف السياسة الخارجية لأيّ دولة. إعلام دولي ولفت "د. عبدالرزاق العصماني" - أستاذ الإعلام الدولي الأسبق بجامعة الملك عبدالعزيز - إلى أننا لسنا بحاجة إلى إعلام خارجي في هذا الزمن؛ لأن الإعلام الداخلي يستطيع أن يؤدي دور الإعلام الخارجي بكل كفاءة واقتدار، مضيفاً أنه بالإمكان أن يصل مجتمعنا إلى الخارج عبر الاعلام الداخلي، مشيراً إلى أن الإعلام في هذا الوقت تحوَّل إلى إعلام دولي، فقد يكون هناك إعلام دولي ضعيف وإعلام دولي قوي أو إعلام دولي منتشر وله مساحات جغرافية كبيرة وإعلام دولي آخر مساحاته ضيقة وصغيرة، موضحاً أننا نعيش في زمن أصبحت فيه جميع وسائل الإعلام ذات صفة دولية. وأضاف أنه يمكن لجميع وسائل الإعلام أن تكون دولية بالتعريف الجديد؛ لأن العالم اقترب من بعضه البعض، مشيراً إلى ان الحدود بين الدول ذابت في وجود الوسائل التقنية الحديثة، وأصبحت بذلك لا توجد إلاَّ على الخرائط الجغرافية الورقية، لافتاً إلى أنه لا يفضل تسمية إعلامنا السعودي بالإعلام الخارجي أو الداخلي فحسب، بل إن الأهم من ذلك هو أن تظهر بعض وسائل الإعلام لدينا بلغة أخرى في الخارج؛ حتى تُفهم، مبيناً أنه حينما يكون لدينا منتج إعلامي جيد؛ فإننا سنصل للعالم الخارجي بكل سهولة. إنسان منتج وأوضح أن الإعلام في السابق كان يعتمد على الجعجعة والدعاية والحديث عن المنجزات، مضيفاً أن تحسين صورة "المملكة" أمام العالم لن تتحقق عن طريق الإعلام أبداً، مشيراً إلى أنه ليس بإمكان الإعلام أن يصنع شيئاً من لا شيء؛ لأن الإعلام أولاً وأخيراً هو صناعة حضارة، لافتاً إلى أن من سيطروا على الإعلام هم من صنعوا الحضارة، وهم من نشروها وهم من لديهم منتج صناعي واجتماعي وتقني، مبيناً أن الدول بدأت في الدخول إلى مجال الإعلام، وأصبحت بذلك تدرك أن العالم اليوم يتجه نحو الإنسان المنتج. نحتاج إلى سياسة إعلامية جديدة تساهم في تعديل الصورة النمطية عن المملكة سياسة جديدة وبين "د. العصماني" أن سياسة الإعلام الموجودة في السابق لم تعد تجدي نفعاً، مشيراً إلى أنه لا بد أن نتجاوز تلك المرحلة وأن يكون لدينا ما نستطيع تقديمه عبر الاعلام سواء في الداخل أو الخارج، لافتاً إلى أن البضاعة الجيدة ستخرج للعالم بأسره ولن تستهلك داخلياً فقط، موضحاً أن هناك بعض الشخصيات التي أوصلتهم منجزاتهم الشخصية إلى العالمية؛ لأنهم يمثلون إعلاماً متحركاً بمفردهم وبإبداعاتهم وبإنجازاتهم، سواء في حقل الرياضة أو الموسيقى أو العلوم أو غير ذلك من الحقول. وأكد أن هذا النموذج هو ما يمثل الصورة الحقيقية للإعلام، وليس إنشاء وزارة لها فرع لإعلام خارجي وآخر داخلي وغيرها من التقسيمات التي أكل الزمن عليها وشرب، مشيراً إلى أن إعلامنا الداخلي لا يزال غير مؤثر، لافتاً إلى أنه ليس لديه بضاعة جيدة ليقدمها إلى الجماهير، معللاً ذلك بعدم قدرته حتى الآن على العمل بنجاح على الساحة الإسلامية، على الرغم من أن دولتنا ذات طبيعة إسلامية وتتميز بأنها مهبط الوحي ومهد الرسالات، موضحاً أن جلَّ ما استطاع تقديمه هو نقل الصلوات وشعائر الحج والطواف من بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة.. نستطيع عبر مواقع التواصل صورة المملكة الحقيقية نصرالله د.فاضل د.العصماني: