ناقش أخيراً مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني التصنيفات الفكرية وأثرها على الخطاب الثقافي السعودي؛ وكشفت بعض التغطيات الصحافية للقاء على مدار يومي اقامته جوانب من المداخلات المدافعة دون وعي عن تلك التصنيفات التي خرجت بالتنوع الفكري الثقافي من دائرة التلاقح الفكري إلى التلاسن الفكري على مدى سنوات مضت؛ ما أفرز لنا في وقتنا المعاصر انقسامات لا تمثل أخلاقيات الإنسان المسلم السعودي المحافظ على وسطيته الدينية. إن الراصد للواقع الفكري الانقسامي لدينا سيلاحظ تطرفا يمينيا يستخدم سلاح الدين على غير بصيرة فيتجرأ على إصدار الأحكام والفتاوى بحق مخالفيه ويضعهم في وهم مسميات لا تمت للحقيقة بصلة، ليتمكن من ارتداء رداء المدافع عن الدين وحراسته بسلاح الوصاية المجتمعية لتحديد معايير الحياة الصالحة وفق آفاق ضيقة ومتشددة تفاقمت حتى وصلت إلى حد نبذ أي محفل ثقافي أو أي قرار حكومي أو مبادرة سياسية ووسمها بالتغريب. ولقد تمكن أنصار التطرف اليميني من إقصاء معارضيهم في الاتجاه المعاكس، ومع اشتداد الصراع الفكري معهم تشكل أنصار للتطرف اليساري مِن مَن استحسنوا المسميات الغربية التي قذفوا بها من اليمينيين- وهم في منأى عنها وفق تبرؤ البعض منها وبحسب رأي نقاد التجربة اليسارية -. ونتيجة لتصاعد وتيرة الشخصنة الفكرية والتعصب المقيت بين المتطرفين وقعت بعض من الممارسات اليسارية المرفوضة دينيا ومجتمعيا لتجاوزها أحياناً الخطوط الحمراء للدين الحنيف عبر الإنكار والسخرية -والعياذ بالله-، غير أن هناك من ارتدع وكف عن خطئه وهنالك من استمر في غيه معانداً بكبريائه ونكايةً بالمنكرين عليه؛ فاستمر في ضلاله المبين. وبالعودة للفعاليات المذكورة التي غاب عنها مشهدنا الثقافي الذي يرزح تحت صراع تطرفين لا يمسان فقط وحدتنا الوطنية بل تعدى ذلك إلى ما هو أكثر خطورة على أمننا الوطني حين يقلل كلا الطرفين من المنجز الوطني التنموي الديني والسياسي والثقافي والمجتمعي واستغلال أحداثه التي لا تروق لتوجهاتهما لتحقيق انتصاراتهما الذاتية، مما قد يؤدي إلى استغلال أعداء الوطن للنيل من استقرارنا وأمننا، أو على الأقل إلى الإضرار بالصورة الذهنية للوطن وقيادته وعلمائه ومواطنيه على الصعيدين المحلي والدولي. # ماذا لو بادر مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لتنفيذ مشروع وطني تشاركي مع عدة جهات لتسليط الأضواء على النماذج المجتمعية المعتدلة المحافظة في بلادنا - وهم كثر بحمد الله - فلقد مللنا من ضجيج قطبي الأفكار المتطرفة التي لا تمثل الفكر السعودي الحر المستنير بعقيدته الإسلامية السمحة.