من المؤكد والبديهي أن الطريق إلى مكة في السابق لم يكن بسيطاً للغاية كما هو الآن، بل كان مشوباً بالتعب والإرهاق والشهور الطويلة كي يصل الحجاج إلى هذه البقعة المقدسة، ورغم ما كان يعتري الطريق إلى هذه الرحلة الإيمانية من تعب وإرهاق إلا أنه كان بمثابة الاحتفال السنوي الممتلئ بالطقوس والبروتوكولات الشعبية التي لا يمكن لأي قافلة أن تنطلق من دون أن تقيم تلك الطقوس. ولعل من أبرز تلك الطقوس ما يسمى بالمحمل بأنواعه المختلفة كالمحمل الشامي والمحمل الهندي والمحمل المصري وغيرها، حيث كان الحجاج يجتمعون في مراكز مختلفة، يجتمعون في الكوفة ودمشق وبغداد والقاهرة وتونس وفاس وصنعاء لتنطلق المسيرة إلى مكة قبل موسم الحج بنصف عام، وغالباً ما يكون الاجتماع للانطلاق صوب مكة في شهر رمضان، ففي الشام مثلاً كان يشهد المحمل الشامي وقافلته في موسم الحج إقبالاً كبيراً قبل بزوغ وقت الحج بفترات طويلة قرب باب البريد في دمشق أو بالقرب من جامع الورد في حي سوق ساروجة حيث يمتلك هذان المكانان مساحة كبيرة، إضافة إلى ما تملكه من زاوية مخصصة لكل منطقة يأتي منها الوافدون فهناك مثلاً زاوية المغاربة وزاوية الهنود وزاوية الموصليين وزاوية السنود. ورغم أهمية المحمل في فترات الحج إلا أنه لا يستفاد منه للركوب عليه أو لنقل الأشياء من خلاله، ولا بوضع الأشياء المتعقلة بالحج من أغراض وأدوية وغذاء..إلخ، أو حتى حاجيات قائد المسيرة والقافلة بقدر ما يُحمل عليه فقط نسختان من القرآن كرمز روحي فقط وشكل خارجي يوضح إلى أي منطقة تعود الحملة، فلكل منطقة جغرافية كان لها محمل يمثلها، حيث يعتبر بمثابة الهوية الجغرافية لتلك المنطقة. كما يعود تاريخ المحمل كما في المصادر التاريخية إلى عام 654ه حيث إن أول من قام بهذا الطقس هي"شجرة الدر" زوجة السلطان الأيوبي الصالح أيوب بعد أن تم الاحتفال بحجها احتفالاً شعبياً وباذخاً، مما جعل الأقاليم والبلدان الأخرى تحذو حذوها في طريقة خروجها لأداء فريضة الحج، لتصبح تقليدا في أغلب الأقاليم العربية وغير العربية التي دخلت في الإسلام، حيث أخذ هذا الطقس بعد تلك الفترة أهمية قصوى وحضور دائم تؤكد على أهميته كبعد ثقافي لا يمكن أن يستهان به على الإطلاق كون أنه أصبح مصدراً للشرف والمجد لما يمثله من دلالة رمزية للأقليم الذي يمثله. وفي مصر - أيضا - خلال فترة حكم المماليك كان المحمل يخرج من هناك محملاً بكسوة الكعبة ليطوف في الشوارع والأماكن العامة قبل الخروج بالحجاج والتوجه للحج، كما كان يصاحب طوفانه الكثير من الاحتفالات والرقصات الشعبية، فكان الرجال والنساء والأسواق تتزين بكامل ما تملك من أدوات الزينة والآلات الشعبية والرقص بالخيول، وكان الوالي أو من ينوب عنه هو من يحضر بشكل شخصي ذلك المهرجان الديني، ومن ثم تكليف فرقة عسكرية لحماية تلك القافلة أثناء مسيرتها إلى مكة وفي مقدمتها المحمل والذي يعتبر رأس القافلة وجسد المسيرة!