ثمة أغنية عن الحب تتحدث عن السير وحيداً «تحت المطر والثلج ولا مكان تذهب إليه وتحس أن جزءاً منك يموت من أجل الغرام» وقد تكون قاسيت من هذا الوجع في القلب. لا باس، ففيلم «مسيرة البطريقة» «March of The Penguins» يجعل الإنسان يبدو بليداً وخاملاً تماماً على صعيد الغرام. الأشياء التي يعملها هذا المخلوق المائي - البري من أجل الحب - أو على الأقل من أجل التناسل - تتضمن المشي عشرات الأميال على جليد القطب الجنوبي والانقطاع عن الطعام عدة أشهر وتحدي برودة تصل إلى 27 درجة مئوية تحت الصفر ورياح تصل سرعتها إلى 170 كيلومتراً في الساعة. كل ذلك حتى قبل أن يفقس فرخ البطريق ويخرج إلى هذا العالم. وقد سجل المخرج الفرنسي لوك جاكيه وفريق من السينمائيين التسجيليين الشجعان هذه الطقوس المعقدة بتصوير نقي يتميز بعظمة وحميمية نادرة. ومشاهد هذه الأرض القاسية والتي التقطها المصوران السينمائيان اوران شاليه وجيروم ميزون طبيعية إلى حد أنك تجد نفسك ترتجف من البرد وأنت جالس على مقعدك - مع أن سرد الممثل نورمان فريمان يوفر دفئاً بصوته المطمئن الهادئ عادة. ويشرح فريمان الرحلة الغرامية التي تبدأ في فصل الشتاء كل السنة، عندما تنهض الألوف من طيور البطريق من أعشاشها المبتلة المريحة وتبدأ مسيرتها في صف أحادي وهي تنقنق وتزعق وترفرف أجنحتها القصيرة إلى أن تصل إلى البقعة التي تتناسل فيها في جزء شديد العداء والوعورة من القطب. إن مجرد كون البطريق يملك قدرة الصمود لإنجاز مهمته الطبيعية أمرٌ مذهل - مع أن بعض طيور البطريق المتقدمة بالسن تموت في الطريق. إلا أنه جميل وجذاب أيضاً، وتبدو طيور البطريق التي تسير وهي تتراقص مشرئبة رؤوسها المدببة أشبه بالسياح المتخمين في الساحات العامة في المدن. ومع استمرار عملية التزواج تشبه الآدميين في الكثير من النواحي. وفور وصولها إلى منطقة التناسل - هي عادة البقعة التي يكون فيها الجليد أكثر كثافة من المواقع الأخرى - يشكل الذكور والإناث ثنائيات عشوائية إلى أن لا يبقى سوى عدد ضئيل من العزاب غير المحظوظين. ثم تبدأ مقدمة التزاوج: ويقترب الرأسان من بعضهما البعض ويتناقش الزوجان بالمناقير ويبدو وكأنهما يهمسان شيئاً لبعضهما البعض. والطريقة التي صورت بها هذه الوصلة تجعل الثنائي يبدوان مغرمين مثل براد بت وأنجيلينا جولي. ويتم التزاوج بين الذكر والأنثى مرة واحدة فقط فإذا جرت بالطريقة الصحيحة تضع الأنثى بيضة واحدة فقط. وهنا تصبح اللعبة لافتة: الأم تقبض على البيضة فوق قدميها وتغطيها بدفء بطنها، ثم بعد وقت تمرر البيضة إلى الوالد ليحميها بنفس الطريقة. ولا تنجح كل البيوض بالتفقيس حيث إن البرودة الشديدة يمكن أن تقتل البيض خلاث ثوان وقد سجل جاكيه حالات كهذه بدقة. ثم تغطس الأمهات في مياه البحر لجمع الطعام وتحتشد الذكور مع بعضها في حلقة ضيقة لمواجهة الرياح الثلجية المزمجرة. أليس هذا رائعاً؟ بالتأكيد. إلا أن وصف ما تفعله هذه البطاريق على أنه حب وغرام - كما يفعل الفيلم - فيه نوع من التكهن. فكيف تعرف أنه حب؟ إنها مجرد طيور بطريق، وعليها أن تصنع (بطريقات) وهذا ما تفعله بالغريزة. أما إضفاء الأحاسيس الإنسانية على العملية فهو محاولة ضعيفة لإعطائها غشاوة دافئة. (هذا الوصف من امرأة في بوسطن تحرص على أن تقول لكلابها يومياً أنها تحبهم، وتعتقد أنه لو كانت الكلاب تستطيع أن تتكلم بالانكليزية فإنها سترد عليها بنفس العواطف). كما أن طيور البطريق الامبراطورية هي مخلوقات متقلبة لا تثبت على شيء: الزوجان يبقيان معاً سنة واحدة تقريباً بغية الانجاب ثم يذهب كلٌ في طريقه للبحث عن شريك آخر للسنة التالية. والآباء نادراً ما يعودون للاطمئنان على الفراخ. وثمة شيء واحد غير قابل للجدل. رغم الصعوبات اللوجستية لصنع فيلم كهذا فإن النتيجة جاءت بسيطة على نحو مخادع ولكنه مؤثر بشكل مدهش.