تمثل دور العبادة واحدة من قنوات الاتصال الثقافي في الوقت الحاضر والتي من خلالها يتعرف الآخرون على ثقافة وعادات وطقوس مجتمع بعينه. ففي هذه الأيام يتابع العالم موسم الحج، ولا تكاد تخلو وسيلة اعلامية من نشر أو بث مقتطفات عن الحج، وهو موسم يتجلى فيه نوع من الاتصال يسمى بالاتصال الثقافي، فما يدور في الحج ينقل صورة ثقافية لما عليه المجتمع المسلم من المعتقد والفكر والعادات والممارسات. وبالنظر إلى طبيعة الاتصال الثقافي في الحج نجده يستخدم أنواعاً من وسائل الاتصال من حيث اللغة لايصال رسالته، فهو يستخدم الاتصال اللفظي من خلال الشرح والإخبار بطبيعة الحج وماهيته وطريقته وما يرتبط به من فوائد وثواب في الدنيا والآخرة، كما يستخدم في الحج الاتصال غير اللفظي من خلال أداء المناسك بالحركات المستخدمة والتنقل بين المشاعر واللبس وغيره. وتتحقق في الحج جميع أنواع الاتصال من حيث المستويات وهي الذاتي والشخصي والجمعي والجماهيري والثقافي، ويستخدم الاتصال الثقافي في الحج وسائل الاعلام الأخرى في إيصال رسالته السامية، فعن طريق الاتصال الشخصي يتم في مناسك الحج الاتصال بين الحجاج انفسهم على اختلاف لغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما أنه يبث رسالته للعالم عبر وسائل الاتصال الجماهيري من راديو وتلفزيون وصحف وغيرها، بالاضافة الى ذلك فإن الرسالة تنتقل ايضاً عبر وسائل الاعلام الجديد من خلال المشاركة والتفاعل عبر هذه الوسائل وكذلك صفحات الحجاج انفسهم، فكثير من الحجاج الذين لديهم خبرة في وسائل الاعلام الحديث ولديهم صفحات خاصة يعرضون تجربتهم في الحج وتجاربهم في المملكة، وبهذا يكونون أداة من أداة الاتصال الثقافي. وفي الحج يتم نقل رسالتين مادية وغير مادية، فالمادية تتمثل في خصوصية المكان وهي الأماكن المقدسة في مكة الحبيبة مهبط الوحي وقبلة المسلمين ومنبع الرسالة فيتعرف العالم على هذه الاماكن وما فيها من معالم تمثل مهبط الوحي وانطلاق رسالة الإسلام الخالدة، والرسالة غير المادية تتمثل في رسالة القيم والعادات والتقاليد والاخلاق. كما أن هناك جانباً إيجابياً آخر للاتصال الثقافي يتمثل في حجاج الخارج انفسهم وهي الصورة التي ينقلونها ويتداولنها بعد عودتهم عبر الاتصال الشخصي فعلى سبيل المثال يقدم الحج نموذجا للمساواة حينما يقف الجميع على صعيد عرفات تحت اشعة الشمس لا فرق بينهم، وكذلك الحال في أداء المناسك فهو نموذج لما يتمتع به الاسلام من قيم في المساواة بين الناس. الجهود التي تبذلها المملكة بكافة القطاعات الحكومية والخاصة تعطي صورة إيجابية للخارج وتمثل اتصالاً ثقافياً حيث تعطي انطباعاً لدى الحجاج الذين يمثلون دولاً مختلفة عن شعب المملكة وعاداته وتقاليده وتفانيه في خدمة ضيوف الرحمن. لا يمكن لكائن من كان أن يحكم على ثقافة معينة بأحكام مسبقة دون التعامل مع اصحابها والتعرف عليها عن قرب، وفي الحج تتوفر هذه الفرصة ليتعرف العالم على مظاهر الاسلام السمحة، وعليه فإن الحج مجال خصب لعرض الثقافة والتواصل الثقافي بين المملكة والعالم وبين المسلمين وباقي الأديان، فلنحرص على أن نظهر محاسن ديننا الاسلامي، وأن يكون موسم الحج رسالتنا للعالم من حولنا للدعوة للترابط والسلام والمحبة.