أعطى الإسلام حيّزاً كبيراً واهتماماً بالغاً بمبدأ الالتزام بالأخلاق الفاضلة والتعاملات الحسنة في جميع جوانب الحياة بلا استثناء، ففي الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني، قال عليه الصلاة والسلام "ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حُسن الخُلُق، وإن الله ليُبغض الفاحش البذيء"، وفي الحديث الآخر، قال عليه الصلاة والسلام "اتّق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالِق النّاس بخُلُقٍ حَسَن"، وقد امتدح الله جل وعلا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بأخلاقه الفاضله فقال تعالى: (وإنّك لَعَلى خُلقٍ عظيم)، والالتزام بالأخلاق الفاضلة لا يقتصر على أمور محددة، بل يشمل جميع جوانب الحياة المختلفة، المالية، والتجارية، والعلاقات الاجتماعلية، والأسرية، والبيئة التعليمية، والعملية، وجميع القوانين والأنظمة التي وضعت للتنظيم والتيسير، بل إننا نجد أن بعض الشركات والمؤسسات التجارية العملاقة قد حرصت على وضع قواعد أخلاقية تحكم سير العمل فيها، وطريقة التعامل مع موظفيها، ومع زبائنها أيضاً، وقد سبقهم في ذلك ديننا الإسلامي الحنيف، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"، وقال أيضاً "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً الموطؤون أكنافا"وكذلك القرآن الكريم، فهو دستورنا وطريقنا للالتزام بالأخلاق الحسنة والفاضلة، وفيه كثير من الآيات الدالة على طرق التعامل وعلى وجوب الالتزام بالأخلاق الفاضلة في جميع جوانب الحياة، فقال تعالى في سورة البقرة: (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكّيكم ويُعلِّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم مالم تكونوا تعلمون)، وصدق الشاعر القائل: إنّما الأمم الأخلاقُ ما بقيت، فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا، فالإنسان لا يُقاس إلا بمدى التزامه بالأخلاق الفاضلة، ومدى تفعيله للقيم والمبادئ الإنسانية وتطبيقه لعناصر الخير والمحبة والإحسان في نفسه ووجدانه، وبالتالي، إظهارها بشكلٍ واضح وجليّ في تعاملاته مع جميع الناس، ممّا يعزّز من عملية التكامل الأخلاقي للفرد والمجتمع، إذ إنّ ذلك يعتبر أساس صلاحه وفلاحه ونجاحه، ومن أفضل الوسائل الرادعة والمحاربة لكافة أنواع الفساد والانحراف التي تحدث لأي مجتمع ولأي شعب، لذلك فإنه لا بد لنا من الاهتمام والحرص، ولو بقليلٍ من الالتزام بالأخلاق الفاضلة والحسنة، والتي حث عليها وأوصانا بها الرسول المصطفى، محمد صلى الله عليه وسلم، فهي طريقنا بإذن الله إلى الكمال، وكسب الحلال، وراحة البال، وتبعدنا بحول الله وقوته، عن الفساد والضلال، والتقصير والإهمال. إن من يشاهد بعض شبابنا، للأسف، في طريقة تعبيرهم عن الفرح والسعادة بذكرى اليوم الوطني لتوحيد وطننا الغالي، المملكة العربية السعودية، فإنه يستنكر ويستغرب من تلك التصرفات الطائشة، والحركات غير العقلانية واللاّ مسؤولة، من أولئك الشباب، من إقفال للطرق، والرقص في الشوارع والأسواق، ومضايقة العوائل والسيارات ومرتادي المحلات التجارية، وغيرها من الأفعال والحركات المزعجة، والتي نهى عنها الشرع المطهر، ولا يرضاها ولا يقرها قادتنا ومسؤولينا وفقهم الله لكل خير، بل سبق وأن حذروا منها ونهوا عنها، ولكن بعضاً من أولئك المستهترين، وللأسف ينقصهم الالتزام بما حث ودعا إليه ديننا، من الأخلاق الحسنة، وما دعت إليه أيضاً القيادة الحكيمة والمسؤولين المخلصين، من التقيد والالتزام بالأنظمة والقوانين التي توجب على الجميع احترام المارة ومرتادي الشوارع والطرق، وتكفل لهم المرور بكل حرية ويسر وسهولةٍ وأمان، وتجرّم كل من يحاول العبث بالممتلكات العامة او الخاصة أو يقوم بالتعدي عليها وتخريبها، ولن نسلم من ذلك إلا بالالتزام بالشريعة الإسلامية والتي تحثنا على الالتزام بالأخلاق الفاضلة والالتزام بالأنظمة والقوانين والتي وضعت لحفظ حقوق الناس، وصيانة أموالهم وأعراضهم. أسأل الله العظيم أن يديم علينا وعلى بلادنا، الأمن والأمان، وأن يحفظنا من كل شر، وأن يهدي شبابنا إلى الالتزام ولو بقليل من الالتزام.