الحمد لله القائل في محكم التنزيل (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). وصدق الحق عز وجل القائل (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم). والصلاة والسلام على سيدنا ومعلمنا القائل: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». لاشك بأنكم تابعتم الحملة المحمومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين على قامة من قامات هذا البلد المعطاء، على رجل كرس ولازال بكل تفان وإخلاص ونكران ذات، وقته وجهده وفكره في الاهتمام بأمر الحج وراحة حجيج وزوار بيت الله الحرام ومسجد نبيه صلى الله عليه وسلم، رئيس أنبل اللجان وأجلها - لجنة الحج المركزية - صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة، الذي لم يأت ببدعة في أمر تنظيم الحج ولم يخف معلومة فيها مصلحة للحجاج، فهو إنسان مطبوع بالشفافية والمكاشفة والمصارحة، فتأتي تصريحاته قوية حازمة قاطعة لا مواربة فيها، منطلقاً من واقع حرص ولاة الأمر على نجاح مواسم الحج لتتوالى النجاحات وشهادات الإشادة من شتى أصقاع الأرض عقب كل موسم ولله الحمد، ليكون تنظيم المملكة للحج نموذجاً فريداً تحاول دول الغرب والشرق أن تكشف أستاره، فتوفير أسباب الراحة والسلامة لملايين البشر الذين يتواجدون في لحظة واحدة وفي مساحة جغرافية صغيرة إنما هو بتوفيق الله سبحانه وتعالى ثم بوجود رجال ديدنهم العمل والجد مثل الأمير خالد الفيصل الذي أفصح عن التنظيم فيما يتعلق بترتيب حجاج الداخل إفساحاً للمجال للحجاج القادمين من خارج المملكة وبتفهم وموافقة منظمة التعاون الإسلامي، لتمكين المملكة من استكمال مشروعات التوسعة المباركة للحرم المكي الشريف تسهيلاً وتيسيراً لقاصدي البيت العتيق، وقد تقبلت الدول هذا الترتيب لعلمها أن بعد المشقة راحة وأن المملكة عبر تاريخها العظيم لا تأل جهداً ولا تدخر مالاً فيه تعظيم لبيت الله الحرام ومسجد نبيه صلى الله عليه وسلم، إذ لم نسمع ولم نقرأ اعتراضاً أو استنكاراً من أحد في كافة أقطار المسلمين لما تراه المملكة من إجراء فيه راحة وسلامة وأمان لضيوف الرحمن، ولأنهم يعلمون أن أهل مكة أدرى بشعابها، ولابد أنهم قرأوا في الأثر ما فعله أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو ينظم الوفود، بعد قضاء المناسك منادياً في الناس: «يا أهل الشام شامكم، ويا أهل مصر مصركم» فقد كان يمارس دوره الإداري كحاكم ومسؤول عن الرعية وسلامتها، ولم يحاجه أو يعقب عليه أحد من الشام أو مصر متبجحاً بأن هذه أرض المسلمين وأن الحرم حرم الناس أجمعين، إذ كانوا يعرفون أن الوفود قد كثرت والمدينة قد ضاقت بهم. وكان عدد المسلمين الأقرب للصحة في حجة الوداع لا يزيد عن المئة ألف في أكثر الروايات ترجيحاً، أما اليوم وبالرغم من مشاريع التوسعة المباركة للحرمين الشريفين الذين يتشرف عاهل البلاد وملكيها بأنه خادمها، فقد بلغت أعداد الحجاج القادمين من الخارج ما لا يقل عن المليونين ومثلها أو يزيد لحجاج الداخل، ما حتم أن يكون هناك نظام وتنظيم يحكم هذه الأعداد ليستوعبها المكان في سلام واطمئنان. ومع كل هذه الحقائق الدامغة، يأبى بعض هواة الشهرة وصنّاع المشاحنات إلا أن يدلوا بدلائهم الخرقاء، فتجدهم يخلطون الأمور ويزينون الباطل آملين شحن النفوس بحجة أن الحج فريضة وركن من أركان الدين ولكنهم للأسف يعمدون لتناسي أن فريضة الحج الصحيحة هي مرة واحدة في العمر وفي ذلك حكمة من خالقنا وهو العالم بزيادة واستطراد أعداد المسلمين تيسيراً منه سبحانه وتعالى على العباد، ولكن يأبى الموتورون إلا أن يناقضوا رب العباد، وهم يحسبونها ثغرة ينفذون منها لمهاجمة من يعمل من الرجال، ولا غرض لهم إلا تعكير الصفو العام وإشاعة البغضاء تحت شعار حرية النقد والكلام، وأي نقد وأي كلام هذا الذي يهدر الحكمة والمشروعية! وبأفعالهم وأقوالهم تلك فإنما قد عميت أبصارهم عن العواقب المدمرة التي يتسببون بها وأمثالهم لبلدانهم ولأهاليهم من أضرار ودمار وتعطيل لمصالح البلاد والعباد وإصابة الأفكار بالشتات والدوار، لا لشيء، ولكن فقط ليشار إليهم بصفة المعارضين والأبطال وحملة الأقلام، وكل ما يفعلونه هو صبهم لسمهم الزعاف تحت عنوان زائف براق اسمه «النصيحة»، وكأن أحداً منهم لم يقرأ أبياتاً للشافعي رحمه الله يقول فيها: تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه وبالطبع فإنهم يتناسبون أن في المجتمع المدني مؤسسات هي الأنسب والأقدر على وضع التصور الأمثل في الكثير من الحالات، ولكن اتباع مثل هذه السبيل سيسلبهم البطولة فتراهم يفضلون «النصيحة» فرادى، فأي مرض بعد ذا؟ فهل نسي هؤلاء عيشنا بفضل الله في بلد يتبع سياسة الباب المفتوح، يلتقي فيه رأس الدولة وولي عهده والنائب الثاني وولاة مناطقه وكل مسؤول فيها بمن شاء من الناس أن يأتي ناصحاً أميناً قاصداً هذه الأبواب المشرعة والتي لم تغلق قط منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه -. وقد يستغرب بعض الناس إقدامي على اعتراض هذه الحملة وأصحابها، وأنا الذي اعتدت أن لا أرد على الكثير من الحملات المغرضة التي وجهت وتوجه لي مباشرة بمناسبة وبغيرها ولأسباب أعلم بعضها وأجهل كثيرها، لا من سبب لقطع عادتي إلا أن هذه الحملة العشوائية استهدفت هذه المرة أمير هذه البقعة المباركة، بكل تاريخه وعطائه، وفنائه عمره في خدمتها ورفعتها في كل تكليف وفي كل موقع حتى قبل مولد بعضهم. طامعين في التغول على حقه والانتقاص من إرادته وتثبيط همته كرجل دولة من طراز فريد، ذلك بأن منحني مئة تصريح حج، وقد ظن الجاهلون أنها لشخص «صالح كامل» دون أن يكلفوا أنفسهم المريضة مجرد السؤال والاستفسار عن ماهية الممنوحة له هذه التصاريح المئة، وأحمد الله أن جعلني في ميسرة من الأمر وإلا لقالوا للمتاجرة بها، ألا يعلم هؤلاء ان هذه التصاريح المئة أو حتى الألف إنما القصد منها الإحسان لاسم المملكة العربية السعودية، ليست لشخصي ولكن لصفتي التي شرفتني بها بلدي رئيساً للغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة التي ينضوي تحت مظلتها المهنية كافة المعنيين من تجار وصنّاع وزراع وأرباب مال واقتصاد في العالم الإسلامي، وهؤلاء أهل كلمة وتأثير ومقام في بلدانهم، فما يضير الخبثاء إن تحملت أنا شخصياً - ولله الحمد - استضافة عشرين أو مئة منهم! وهل تلام المملكة ممثلة في شخص سموه إن هو وضع في الاعتبار هذه الصفة ويسر الأمر لهم ورفع شأني في ناظرهم إعلاء لمكانة المملكة في نفوسهم؟ وتناسى أولئك المغرضون أيضاً صفتي رئيساً للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وهذه قصة أخرى ومكسب آخر لبلدي، ورئيساً ومؤسساً - بفضل الله - لقنوات اقرأ العربية والانجليزية والفرنسية التي تتطلب وجود ما يقارب الخمسين فرداً من شيخ للتعليق أو فني لتغطية ونقل مناسك الشعيرة بمختلف اللغات الحية ولكل أصقاع الدنيا، أليس في ذلك كسب للمملكة؟ بالطبع إن الأسوياء سيقولون وفقك الله، ولكن بالنسبة لأولئك فإن مثل هذه الفوائد والمصالح يتعامون عنها وإن وعتها بصائرهم فإنها للأسف تؤلم نفوسهم المريضة كثيراً، أما على الصعيد الشخصي فإن بقي تصريح واحد مع هذه الأعداد فإنه حلال على أي فرد من عائلتي يأتي لمؤازرتي معيناً ومرحباً وخادماً لمن نستضيف. ويعلم الله، أن حجب هذه التصاريح لم يؤلمني، بقدر ما آلمني ما تسبب فيه طلبي لأمير مكةالمكرمة الذي يعرف الجميع جهده الخارق الذي يبذله في كل عمل يقوم به، إرضاءً لدينه ومليكه وهذا البلد الأمين وسموه ليس في حاجة لشهادة مني أو تزكية وهو المعروف عنه الحذر والحظر إزاء أي تجاوز للنظام أو تخطيه لأي سبب ولأي كان، وعزائي أنه لم يمنح هذه التصاريح «المئة» لشخصي وإنما لمواقعي التي ذكرت وهو يعلم إسهامي بها في إعلاء راية بلدي لوجه الله لا أريد عليها جزاء ولا شكورا ولا منة على أحد (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) أبتغي بها الجزاء الأوفى من الله سبحانه وتعالى. وما أردت بكتابي هذا إلا الاعتذار أولاً وأخيراً لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل - رئيس لجنة الحج المركزية - إشفاقاً على سموه ومشاطرة له على ما حمله في نفسه من تجريح تسببت فيه، له مني شديد الأسف، ولا أأسف على نفسي وأنا المعتاد على تسفيه مثل هذه السفاسف، أما أولئك الذين ألبسوا الحق بالباطل.. الحالمون بالبطولة ومدعو الجرأة والاقدام، مهما تباينت سواترهم، فإني اسأل الله أن يجازي كل من تسبب في حبسي عن مسؤولياتي في حج هذا العام، وأفوض أمري وأمر من تعطلت مصالحهم من أمة محمد بسببهم إلى الله وحده فهو المنتقم الجبار. راجياً من إخواني أن نتقي الله في وطننا الغالي وأن نتجول بأبصار الصدق والحقيقة لنرى ما يحدث من حولنا، وأن نخفف من حدة لهجتنا التي لا تتلاءم مع مكارم أخلاق معلمنا ومرشدنا صلى الله عليه وسلم، وأن نتبين موقعنا من أمر الله لنا بمجادلة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة. سائلاً الله أن يديم علينا عزنا وأمننا، تراحمنا وتلاحمنا، وأن يكف عنا كيد الكائدين ويصرف عنا شر الحاقدين وبغض الموتورين، وأن يلهمنا جميعاً الصواب في القول والعمل، إنه نعم المولى ونعم النصير. * رئيس الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة صالح عبدالله كامل