يُعد الحديث عن وطننا ومآثره ورجاله وما سطره التاريخ لهم من المواقف والبطولات مفخرة لكل مواطن؛ لأنه لا يمكن أن يكون بلا وطن، ولا وطن بلا مواطن، ولا يمكن أيضاً للمواطن أن يمارس شؤونه ومصالحه وقبل ذلك أداء شعائر دينه إلاّ في ظل وطن آمن ومستقر.يس الحديث عن الوطن حديثاً من منطلقات عنصرية أو تعصبية أو قومية كلا، إن هذا هو الفهم السقيم الذي لا يصدر إلاّ من ضيق الفكر، قليل المعرفة، ضعيف الإدراك، بل هو حديث عن حياة وعمارة ونهضة، وتعميق قيم ومبادئ، وحديث عن تأصيل شرعي، لمعرفة الواقع الذي يعيشه الإنسان في وطنه. كل مواطن عليه أن يتأمل في بلادنا ما حباها الله من النعم الكثيرة والخيرات الوفيرة، حيث تُعد وطن الإسلام الأول بلا منازع؛ لأن الله تعالى قد اختارها من بين سائر بلاد الدنيا، وجعل فيها بيته الحرام ومسجد رسوله، كما شرّف الله هذه البلاد وقادتها وأهلها برعاية الحجاج والمعتمرين والزائرين والإشراف على شؤونهم وتسهيل وصولهم إليها، ولما كانت المملكة بهذه المثابة والمنزلة العالية الرفيعة، سخر الله لخدمتها وحمايتها ورعاية أهلها "جهابذة" الرجال، وأفذاذ القادة من الحكام، فأدوا واجبهم خير أداء في رفعة هذا الوطن وتشييد أركانه ونشر الأمن في ربوعه. ومرّت على الدولة ألوان من الجهاد والكفاح وسجل حافل من الإنجازات والبطولات، حيث قيض الله لها رجلاً هو البطل المقدام، ملأ الله قلبه حكمة ورحمة، ومنحه العقل وسداد الرأي والقدرة على التدبير وتصريف الأمور، وجعل الله له القبول في الأرض، فأسس هذه المملكة العامرة، وشيّد أركانها وبنى نهضتها بما يتوافق مع معطيات عصره، بل وجمع كلمة أهلها بالإسلام ودين الحق، إنه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-. وما كان لهذا الملك أن يكون له ذلك إلاّ بتوفيق الله وفضله، ثم بتمسكه بدينه وتطبيقه لشرع ربه وعمله بسنة نبيه، وسيره على منهج السلف الصالح، وهذا هو أعظم سبب في توطيد ملكه وتمكين حكمه وتثبيت قيادته واجتماع الناس عليه. أعدَّ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- رجال أماجد من أبنائه لحمل هذه الأمانة، وأداء المسؤولية، ليواصلوا مسيرة البناء، فتواصوا جميعاً على تنفيذها، فتحقق له ما أراد، لصدق نيته وسلامة سريرته، فتعاقب من بعده أبناؤه الملوك على مواصلة السير وحمل الأمانة، فحملوا على عواتقهم نصرة الدين وجمع كلمة المسلمين وحماية المقدسات وحفظ مصالح المواطنين، إلى أن جاء العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-. اجتمع الناس على حُب "أبو متعب" ودخلت محبته في القلوب طواعية، واختياراً لما يرون من أعماله المضيئة وأفعاله المستنيرة وأقواله الصادقة، وكذلك عنايته الظاهرة ومتابعته الدائمة لأحوال رعيته، فأدّى واجبه تجاههم خير أداء وتفقد أحوالهم، ودعاهم إلى نبذ الفرقة والاختلاف، والبعد عن مواطن الفتن والشبهات، إضافةً إلى تجنب الشرور والصراعات، بما كان يلقيه من خطابات، وما يوجهه من كلمات، في محافل ومناسبات، حتى جمع الله قلوب أهل هذه البلاد على كلمة واحدة، والناس من حولهم يعيشون الفتن والصراعات، فدحضوا بذلك كل الأقاويل والأكاذيب والافتراءات التي كان يخطط لها أصحاب الأهواء والشبهات، فضربت بذلك بلادنا أروع الأمثلة في التمسك والثبات وتحقيق الاجتماع، وهذا ظاهر ومتحقق في وطننا، فالتلاحم والمحبة بين الراعي والرعية يشعر بها كل مواطن، وسببها تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة لله واتباع شريعته. واليوم الوطني يذكرنا بنعمة الله علينا في اجتماع الكلمة ووحدة الصف والاعتصام بالله وبحبله الذي هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فيزيدنا ذلك ثباتاً وتماسكاً وحباً لهذا الوطن والذب عنه وعمارته بما يصلح الحياة فيه، كما أن الإنسان يتذكر التحول العجيب الذي صار لهذا البلاد، فقد تحولت من البدعة إلى السنة، ومن العداء إلى الولاء، ومن الفرقة والاختلاف إلى الاجتماع والائتلاف، بما منَّ الله علينا من أئمة صالحين وقادة مصلحين وملوك ناصحين، فأصبح وطننا بفضل من الله عزيزاً شامخاً ينعم بالأمن والاستقرار ورغد العيش، وكذلك البعد عن الفتن والصراعات بتمسكه بدينه واعتصامه بحبل الله، أدام الله على بلادنا نعمة الأمن والأمان، ووفق ولاتنا إلى كل خير، وأعز بهم الدين ونصر بهم الإسلام. * وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية