أعلنت رئاسة الجمهورية، أمس، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد عيّن مدير ديوانه الجنرال العربي بلخير، بطلب من هذا الأخير، في منصب سفير فوق العادة للجزائر لدى المملكة المغربية خلفا لبوعلام بالسايح الذي سيشغل منصب وزير في حكومة احمد اويحي. وتؤكد القراءة الأولية لهذا القرار أن تعيين احد أقوى رجالات النظام سفيراً لدى الرباط فرضته معطيات سياسية خاصة، مرتبطة برغبة الجزائر في ترتيب علاقاتها مع المغرب على أسس واضحة من شأنها أن تحافظ على التوازن المطلوب بين البلدين، وتستجيب للتحولات الإقليمية والدولية. ويأتي تعيين الجنرال العربي بلخير سفيرا للجزائر في المغرب، في إطار التغيير الجزئي الذي سيجريه الرئيس بوتفليقة على حكومة احمد اويحي وعلى بعض المؤسسات المهمة في البلاد، قبيل الدخول الاجتماعي المقبل، علاوة على الحركة التي سيجريها على سلك الولاة في المنتصف الثاني شهر أغسطس (اب) الجاري. وقالت مصادر سياسية مطلعة في الجزائر إن مدير ديوان بوتفليقة الجنرال بلخير بشبكة علاقاته، وحسن إدارته لأعقد الملفات وأكثرها تشابكا، مؤهل لإخراج العلاقات المتأزمة بين البلدين الشقيقين الجارين من عنق الزجاجة، وإعادة تأسيسها في الاتجاه الصحيح. كما يؤكد تعيين احد صقور النظام الجزائري، رغبة الجزائر في تطبيع علاقتها مع المغرب، على خلفية الدور المهم الذي لعبه في إعادة بعث الاتحاد المغاربي من مرقده نهاية الثمانينات، وتحمسه لتفعيل مختلف مبادرات الوحدة بين دول المغرب العربي. وسيمس التغيير، الذي يعد تكملة للتغيير الذي أجراه الرئيس بوتفليقة في الفاتح من مايو (ايار) المنقضي، بعض الوزارات ذات السيادة وبعض الحقائب الوزارية الأخرى، إضافة إلى المديرية العامة للشرطة والمجلس الدستوري الذي بقي شاغرا منذ تولي محمد بجاوي حقيبة الخارجية، فضلا عن الجمارك والحماية المدنية. فعلى مستوى رئاسة الجمهورية وبعد تعيين الجنرال بلخير مدير ديوان رئيس الجمهورية في منصب سفير للجزائر في الرباط بطلب منه، حيث سيخلفه في منصبه وزير الموارد المائية عبد المالك سلال. وسيمس التغيير أيضا وزارة الداخلية والجماعات المحلية، حيث سيتم تعيين نور الدين يزيد زرهوني في منصب سفير للجزائر في باريس، وسيخلفه على رأس الداخلية وزير العدل حافظ الأختام الطيب بلعيز، في حين سيشرف محمد بجاوي رئيس الدبلوماسية الجزائرية على وزارة العدل. ولا يستبعد أن توكل حقيبة الخارجية لعبد الله باعلي ممثل الجزائر الدائم لدى الأممالمتحدة، في حين رجحت مصادر أخرى أن يشرف باعلي على وزارة الإعلام والاتصال التي بقيت بدون وزير منذ التغيير الحكومي الأخير. كما يتردد في الصالونات السياسية الجزائرية اسما كل من محمد مرزوق وزير سابق للاتصال و المدير الحالي للتلفزيون الجزائري حمراوي حبيب شوقي لشغل منصب وزير الاتصال. وحسب نفس المصادر دائما، فسيشمل التغيير الحكومي أيضا كلا من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الشرطة والحماية المدنية والمديرية العامة للجمارك. أما فيما يتعلق برئاسة المجلس الدستوري فستوكل إلى ميسوم الصبيح الذي شغل من قبل لجنة إصلاح هيكل الدولة. وفي سياق متصل، أكدت مصادر مطلعة أمس أن الرئيس بوتفليقة سيجري خلال النصف الثاني من شهر أغسطس (أب) الجاري حركة واسعة في سلك الولاة، تشمل 14 واليا، منهم من يحال على التقاعد ومنهم من ستنهى مهامه بصفة نهائية، مع ترقية بعض الأمناء العامين إلى مصاف ولاة، على أن تستثني الحركة في سلك الولاة الولايات المعنية بتنظيم الانتخابات الجزئية في منطقة القبائل. ومن جهة أخرى، اصدر الرئيس بوتفليقة أمس أمراً يقضي بإلغاء العطل السنوية لوزراء وإطارات الدولة داعيا إياهم للعودة إلى مناصبهم، ترقبا للاجتماع بهم بعد غد (يوم الأحد) في قصر الأمم بنادي الصنوبر بالضاحية الغربية للعاصمة، حيث سيلقي خطابا على إطارات الدولة يميط من خلاله اللثام عن بعض القضايا. وتذهب بعض الأوساط السياسية في الجزائر إلى التأكيد أن الرئيس بوتفليقة يسعى إلى جعل هذا اللقاء بإطارات الأمة دوريا وتقليدا راسخا بعيد عن اجتماعات المناسبات، خاصة في ظل المعطيات الجديدة التي تفرضها الساحة السياسية اليوم في سياق تعاقب الأحداث محليا ودوليا. ويتوقع المراقبون أن يزيل الرئيس بوتفليقة في خطابه لإطارات الأمة الكثير من الغموض عن مشروع المصالحة الوطنية والعفو الشامل، كما سيكشف النقاب عن الأطراف والجهات التي ستستفيد من هذا المسعى، في ظل الغموض التام وشح المعلومات والسرية المحيطة بهذا الملف الحساس. والجدير بالذكر أن لا احد من الطبقة السياسية الجزائرية تملك ولو تفصيلا بسيطا حول هذا المشروع، حتى الأحزاب المنضوية تحت لواء التحالف الرئاسي والتي ساندت الرئيس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وجعل ملف المصالحة والعفو الشامل في منأى عن المتاجرة والمزايدات السياسية، شكل رئيس الجمهورية مؤخرا لجنة عمل تتولى إعداد الجانب القانوني والتقني لهذا المشروع، حتى لا يتكرر سيناريو اللجنة الوطنية للعفو الشامل المجمدة بعد ثبوت تورط قياداتها في المتاجرة بها لتحقيق أغراض سياسية وحزبية مشبوهة.