حرص مؤسس الدولة السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه على توطيد علاقة الدولة الوليدة مع دول العالم كافة والدول التي اعترفت بدولته كدولة مستقلة على وجه الخصوص. لذا فقد أولى يرحمه الله اهتماماً خاصاً ببناء علاقة صداقة مع المملكة الهولندية التي تعد الدولة الثانية بعد روسيا التي اعترفت بالكيان الجديد في جزيرة العرب. ومن هذا المنطلق فقد كانت هولندا من أوائل الدول التي تم زيارتها من قبل رجالات الدولة السعودية حيث كانت ثالث دولة أجنبية (بعد المملكة المتحدةوفرنسا) يقوم بزيارتها أبناء الملك عبدالعزيز يرحمه الله. الزيارة الأولى 1926: زار نجله الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيصل لاحقا) المملكة المتحدة ومن هناك توجه الى هولندا على متن مركب رسى في مدينة فلوشنق (Flushing) بتاريخ 12 اكتوبر 1926. استقل سموه القطار متجهاً إلى لاهاي حيث وصل مساءً فندق ديز انديز الشهير، وهو المكان المعد لإقامته خلال هذه الزيارة. لقد كان برنامجه مزدحما خلال هذه الزيارة ففي اليوم التالي لوصوله قام الأمير فيصل بزيارة لوزير الخارجية الهولندية السيد فان كارنيبييك، ومقر البرلمان الهولندي وقصر السلام حيث أهدى إلى كل منهم قطعة من السجاد العربي الفاخر، وفي عصر ذلك اليوم قام أيضا بزيارة قنوات ميناء إيمويدن (Ijmuiden). في صبيحة يوم الثلاثاء توجه الأمير فيصل إلى مدينة ليدن حيث زار بلدية المدينة وجامعة ليدن الشهيرة وكذلك معهد الطب المداري ومختبرات مستشفى الجامعة. وفي عصر ذلك اليوم قام بلقاء الملكة الهولندية فيلهيلمينا بقصر هيت لوو. وفي اليوم التالي، الجمعة 15 اكتوبر، زار سموه معامل الألماس في مدينة امستردام والبنك الهولندي كما شملت الجولة شركة هولندا التجارية بينما كان البرنامج المسائي معد لزيارة المتحف الملكي المداري. أما يوم الأحد فقد قام بزيارة لميناء روتردام حيث توجه إلى بلدية المدينة أولاً ثم قام بجولة على ميناء روتردام الدولي. في اليوم التالي كان البرنامج عبارة عن عرض في السينما أعد خصيصا بهذه المناسبة ثم أمضى بعض الوقت في الحقول الملكية بالقرب من ضاحية ويسنر. في اليوم التالي زار سموه بعض مزارع الالبان كما قام بجولة بالسيارة في ويستلاند الزراعية الى الجنوب الغربي من مدينة لاهاي، مر خلال هذه الزيارة ببعض مصانع الألبان وكذلك مصنع هولندا الأول للأسمدة في فلارينن (Vlaardingen). استمرت هذه الزيارة ستة أيام حيث غادر هولندا بالقطار إلى فرنسا بتاريخ 19 من اكتوبر. رافق الأمير فيصل في هذه الزيارة مدير مديرية الشؤون الخارجية (وزارة الخارجية لاحقاً) عبدالله الدملوجي وعبدالله إبراهيم الفضل، السكرتير الخاص للامير فيصل، كما رافقه القنصل الهولندي في جدة، دانييل فاندر ميولين وثلاثة من الحرس الخاص لسموه. الزيارة الثانية 1932: قام الأمير فيصل بن عبدالعزيز بجولة أوروبية تهدف إلى توثيق العلاقات مع تلك الدول ومن بين الدول التي زارها فرنسا والمملكة المتحدة وايطاليا وألمانيا وبولندا كما شملت الزيارة دولا مثل الاتحاد السوفيتي وتركيا وايران. وصل الأمير فيصل إلى مطار امستردام يوم الأثنين الموافق 16 مايو 1932 قادما من المملكة المتحدة. كان برنامج سموه في هذه الزيارة، كسابقتها، مزدحما جدا. ففي اليوم التالي لوصوله زار الامير فيصل وزير الخارجية الهولندية حينها السيد ف. فان بلوكلاند، ومن هناك توجه إلى مقر إقامة الملكة فيلهيلمينا بقصر نورديند. وفي المساء حضر سموه جزءا من عرض أعد بهذه المناسبة. وفي صبيحة يوم الأربعاء قام الأمير فيصل بزيارة الى معرض هندي أقيم في إحدى الحدائق بضاحية سخيفنينقن (Scheveningen) ثم توجه مباشرة إلى امستردام حيث زار شركة هولندا التجارية التي سبق وأن زارها خلال زيارته الأولى كما زار عدداً من الشركات الهولندية الأخرى. قام مساء ذلك اليوم بجولة بالقارب ثم تجول بسيارته في مدينة امستردام وقبيل غروب الشمس قام بزيارة الى حديقة الزهور المتاخمة لضاحية نوردفيك (Noordwijk) قبل أن يعود إلى مقر إقامته في لاهاي وقام بعد عصر يوم الخميس الموافق 19 مايو بزيارة إلى استوديو اورينو-بروفيلتي (Orion-Profilti) للأفلام حيث شاهد عرضا لتسجيل لحظة وصوله مطار امستردام وقد قام شخصياً بتسجيل النص العربي للفيلم. في مساء ذلك اليوم تناول الأمير فيصل وجبة العشاء مع وزير الخارجية الهولندي. في نهاية هذه الزيارة التي استمرت لمدة خمسة أيام غادر الأمير فيصل يوم الجمعة الموافق 20 مايو متوجها إلى ألمانيا وكان برفقته السيد فؤاد بك حمزة وكيل وزارة الخارجية وسكرتيره الخاص، شاهر السمان ومرافق سموه خالد الأيوبي بالاضافة إلى القنصل الهولندي في جدة. الزيارة الثالثة 1935: قام الأمير سعود بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي حينها (الملك سعود لاحقاً)، بجولة أوروبية شملت الزيارة دولاً مثل فرنسا، هولندا، بلجيكا (لزيارة معرض عالمي وافق توقيته فترة الرحلة)، المملكة المتحدة وسويسرا. كان الهدف من هذه الجولة تعزيز العلاقات بين المملكة العربية السعودية والدول الأوروبية. وصل الأمير سعود إلى لاهاي مستقلاً القطار القادم من باريس يوم الاثنين العاشر من يونيو 1935. نزل سموه بفندق ديز انديز. وكما هو حال الزيارتين السابقتين للأمير فيصل، كان برنامج الأمير سعود مزدحماً أيضا، فقد زاره إبان وصوله يوم الجمعة وفد من الجالية المسلمة من بلاد الجاوه (اندونيسيا حاليا). وفي مساء ذلك اليوم قام الأمير سعود بجولة في ضاحية سخيفنينقن (Scheveningen). وفي صبيحة اليوم التالي توجه سموه إلى مدينة ايندهوفين (Eindhoven) حيث زار شركة فيليبس الشهيرة وعقد اجتماعات مع مديري الشركة، كما تناول الجميع الغداء بنادي القلف في تلك المدينة، وفي عصر ذلك اليوم قام سموه بزيارة لمصانع شركة فيليبس إضافة إلى زيارة مركز تركيب الأشعة السينية في مستشفى س.ت. جوزيف. في يوم الأربعاء توجه الأمير سعود إلى ديفينتر (Deventer) حيث حضر تدريباً عسكرياً وعرضاً لفوج الخيالة وفي عصر ذلك اليوم زار سموه الملكة الهولندية فيلهيلمينا والأميرة جوليانا بقصر هيت لوو. وفي اليوم التالي قام بزيارة وزير الخارجية الهولندية وقصر السلام ثم قام بجولة في مدينة لاهاي والضواحي المجاورة لها قبل أن يعود إلي مقر وزارة الخارجية حيث تناول الغداء مع الوزير الهولندي، وقد حضر المناسبة عدد من أعضاء الحكومة وشخصيات اجتماعية أخرى. وفي عصر ذلك اليوم قام الأمير سعود بجولة في مدينة ليدن ومكتبة جامعة ليدن، والحدائق النباتية hortus botanicus ومعهد الدراسات الشرقية، وفي نهاية الجولة تناول سموه الشاي بمنزل المستشرق الهولندي الشهير البروفيسور سنوك هورخروني (Snouck Hurgronje)، بشارع رابنبورخ المتاخم للجامعة. في صبيحة يوم الجمعة توجه الأمير سعود إلى مطار سخيبهول أمستردام حيث قام بجولة داخل المطار ثم توجه إلى أمستردام حيث تناول الغداء بمقر شركة هولندا التجارية. وقد غادر سموه هولندا بعد ظهر الجمعة الموافق للرابع عشر من يونيو متجها إلى بروكسل. وقد رافقه في هذه الزيارة كل من فؤاد حمزة مدير مديرية الشؤون الخارجية، والدكتور مدحت شيخ الأرض، الطبيب الخاص لسموه، محمد شيخلو، سكرتير وزارة الخارجية و ك. ادريانس، القنصل الهولندي في جدة والدكتور ق. ف. بيجبر، نائب مستشار إضافة إلى اثنين من الحرس الشخصي لسموه. ومن ذلك الوقت والعلاقات السعودية الهولندية تشهد تطوراً كبيراً وتواصلاً مستمراً. كما أن هذه العلاقة التاريخية شملت مجالات عدة دبلوماسية واقتصادية وثقافية وأكاديمية. الأمير فيصل خلال زيارته لميناء روتردام الأمير سعود خلال زيارته لجامعة ليدن- شارع رابنبورخ