لا يمكننا أن نحكم على المرأة وما وصلت إليه اليوم دون أن نمر على مرحلة قبل أكثر من (80) عاماً، حين كانت الأم والزوجة والأخت فقط، حين كانت في منزلها تسمع ولا تتكلم، وتفهم ولا تشارك، وتحلم ولا تحقق، وتتمنى ولا تنال، كانت ابنة زمانها وواقعها صبورة تترقب، ذكية تنتظر، كانت اجتماعياً ذات حضور بهي، تشارك الرجل في الكفاح عبر الصناعات المنزلية البسيطة كالسدو والغزل والنسيج، كانت تحتال على ظروف المعيشة الصعبة بكل ما أوتيت من طاقة وعزم، لكنها كانت من خلف إلى خلف، لا رأي لها، ولا خطط من أجلها، وحين كانت كل القرارات في يد الرجل كانت قابعة بانتظار أن يتذكرها بقرار، وينتشلها من جهلها وقلة حيلتها، ليعبر بها آفاق مستقبل تكاد تراه على مرمى حجر، لكنها لا تعرف متى وكيف ستصل إليه. كان تهميش المرأة حقيقة لا يمكن انكارها، وما ظهور بعض الحالات الفردية الناجحة في البدايات الأولى للمملكة إلاّ تأكيداً على ذلك، إلاّ أن هناك من نادى بتعليم الفتاة، ليكون مؤشرا على الرغبة الكامنة والإرادة المستترة خلف ضعف الامكانات والممكنات، كما أن تعليم بعض الأهالي بناتهن خارج المملكة كان مؤشراً اجتماعياً هاماً تلقفه الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-، وبنى عليه ومن بعده أبنائه أُسس دعم المرأة، بل ومدّو من خلاله اليد لانتشالها من القاع واخراجها الى حيث يليق بها. وعندما فُتح المجال للمرأة حققت عدة نجاحات مُلفتة، خاصةً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- حيث تم اختيار ثلاثين عضوة فاعلة في مجلس الشورى، كذلك تولت مناصب قيادية عليا في وزارات مؤثرة كالتربية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية، ومناصب إدارية داخل و خارج المملكة "دبلوماسية" وسياسية وتعليمية وطبية، إضافةً إلى دخولها في مجال الاختراع من خلال التفوق والابتكار والذكاء، كما أن هناك مواطنات حصلن على جوائز عالمية في كل مجال وحصدن اعجاب القاصي والداني بفكر لا تقف أمامه حواجز، فكر استطاع أن يصنع تاريخاً ويؤكد حضارة ويشارك في نهضة. لم يكن التمكين بالنسبة للمرأة خروج عن العرف المجتمعي، بالعكس كان ولا زال بدعم ومباركة ومساندة ولاة الأمر، حيث استطاعت بجهود حثيثة أن تضع اسمها بارزاً قوياً على خريطة الوطن، لا مجال للتشكيك في قدراتها أو التقليل من قيمتها وعطائها، فهي تفكر وتبدع وتخطط وتتخذ القرار، بل وتنفذ وتتابع وتنجز ما هو مطلوب منها وأكثر، وبمناسبة اليوم الوطني "كل عام والمرأة السعودية بألف خير". حققت نجاحات مُلفتة وتولت مناصب قيادية ووصلت إلى «قبة الشورى» وشاركت في صناعة القرار إصرار كبير وبالعودة إلى التاريخ، فقد خصصت بعض المدارس قسماً للبنات منذ عام 1358ه/1940م، لكنه أُغلق بعد عدة أعوام نظراً لقلة الاقبال عليه من الأهالي، ويمكننا أن نؤرخ بدء تعليم المرأة السعودية بشكل نظامي منذ عام 1380 ه/ 1960م، حين أقرت الدولة حق التعليم للفتاة، بعد عشرين عاماً من إتاحته للبنين، ومنذ ذلك الوقت وضعت المرأة قدمها على أول الطريق ومضت قُدماً. افتتاح المدارس لتعليم البنات كان أول السيل، وحين يبدأ السيل فإن أحداً لا يوقفه، حيث نبت من رحم المدارس الكليات، ثم الجامعات، ثم الابتعاث، ليفتح الباب الباب أمام التخصصات، حيث أبدت المرأة نهماً كبيراً لتلقي العلم ولمعرفة، ولتلمس العالم من حولها لمعرفة ما يدور و ما هو دورها في كل شيء، كانت تتعلم، تطالب بتخصصات، تنادي بحقوق وبإصرار كامل على التمسك بهويتها ومراعاة خصوصيتها، وعدم الحياد عن هوية الوطن وأعرافه. ويمكننا اعتبار عام 1392ه بداية التهيئة والاعداد الذي حمله ولاة الأمر على عاتقهم لنشر النور في جنبات محيط المرأة المظلم، اذ بدأت المملكة في برنامج مكافحة الأمية وتعليم الكبار الذي وضعته وزارة المعارف -وزارة التربية والتعليم حالياً- عام 1393ه/1973م. تعليم الكتاتيب بداية انطلاق المرأة محو أمية وافتتحت الرئاسة العامة لتعليم البنات -ضمن وزارة التربية والتعليم حالياً- خمسة مراكز لمحو الأمية وتعليم الكبيرات، موزعةً على مدن المملكة، فكان منها مركزان بالرياض ومركز واحد في مكةالمكرمة وواحد بجدة وآخر بالدمام، وفي عام 1395ه أصبح عدد تلك المراكز (458) مركزاً، واحتوت على (1425) فصلاً، وقد بلغ عدد الملتحقات بتلك المراكز (26721) دارسة، وفي عام 1415ه بلغ عدد المراكز (1434) مركزاً، وعدد الفصول (5821) فصلاً، وعدد الملتحقات بها (69301) دارسة، ويذكر تاريخ المملكة أن مدارس البنات قبل نشأة الرئاسة العامة لتعليم البنات كان أكثر من (46) مدرسة أهلية موزعة على مدن المملكة. نظام متكامل وعندما نشأت الرئاسة العامة لتعليم البنات تطور تعليم الفتاة وزاد الإقبال على المدارس، وهذا ما وضحته إحصائية تعليم البنات التي أعدتها الرئاسة العامة لتعليم البنات عن التعليم الأهلي، وبأن عدد المدارس الأهلية منذ عام 1380 وحتى عام 1418 ه قد بلغ (1054) مدرسة موزعة على مدن المملكة، وكان عدد الملتحقات بها (118660) طالبة وعدد المعلمات (10698) معلمة، وفي غضون (10) سنوات من نشأة الرئاسة تدرج تعليم الفتاة وأخذ يحقق نظاماً متكاملاً، لتنتقل الفتاة من التعليم الابتدائي، ومعهد إعداد المعلمات إلى التعليم المتوسط الذي بدأ عام 1383ه، ثم التعليم الثانوي ثم التعليم العالي، وفي المرحلة الثانوية بلغ عدد مدارسها (1207) مدرسة، وعدد الطالبات (305182) طالبة، إضافةً إلى معاهد المعلمات التي بلغ عددها (192) معهداً يدرس فيها (15280) طالبة. 12 جامعة ومنذ عام 1377ه بدأ التعليم العالي للفتيات، حيث نشأت في هذه الفترة جامعة الملك سعود، وأتيح للفتاة فرصة الالتحاق بالجامعة منذ عام 1381ه، وذلك عن طريق الانتساب، فكان عدد الملتحقات في تلك الفترة أربع طالبات انتسبن إلى كليتي الآداب والعلوم الإدارية، ليتخطى بعد أقل من نصف قرن (200) ألف طالبة يدرسن في (12) جامعة، يتفرع منها (160) كلية، ناهيك عن الدراسات العليا وخريجات الكليات الصحية التابعة للقطاع الصحي، وليس إلى التعليم العالي. وقالت "د.حنان بنت عبدالرحيم الأحمدي" -عضو مجلس الشورى-: خلال ثمانين عاماً حققت المرأة ما استغرقت نساء العالم قرونا من الزمان لتحقيقه، ولعل أهم إنجاز حققته المرأة السعودية هو مستوى التعليم، حتى تقلصت الفجوة بين الذكور والإناث في جميع مراحل التعليم، وصولاً الى التعليم العالي، مضيفةً أنه على الرغم من أن تعليم الفتاة في المملكة لم يبدأ إلاّ منذ خمسين عاما تقريباً، إلاّ أنها تمكنت بفضل الله ثم بدعم من مجتمع كريم طالما اعتز بنسائه من تحقيق التفوق الأكاديمي والعلمي؛ وهذا في ظني حجر الزاوية في بناء الثقة في المرأة السعودية. حققت المرأة نجاحات كبيرة في تمثيل بلدها والحوار المثمر مع الآخر إنجاز علمي وأوضحت "د.حنان الأحمدي" أنه لو تأملنا حصيلة هذه المسيرة لوجدنا أن انطلاقة المرأة السعودية إلى الفضاء العام لم تتحقق بشكل واسع إلاّ من خلال بوابة التعليم والإنجاز العلمي، فعلى الرغم من أن المرأة موجودة في مجتمعنا في مجالات عدة لعل أبرزها العمل الإجتماعي والتربوي، والذي كان للمرأة إسهامات قيمة فيه، إلاّ أن النجاحات العلمية هي التي لفتت الانتباه لها عالمياً، مضيفةً أن البحوث والدراسات والإكتشفات العلمية والاختراعات التي حققتها المرأة على الصعيد العالمي مكنتها من نيل الثقة محلياً؛ لأن مجتمعنا يحترم العلم والتفوق العلمي ويفخر بأبنائه وبناته المنجزين، مشيرةً إلى أنه لو تأملنا مسيرة المرأة لوجدنا أن ثقة الدولة فيها كانت دائماً الضمير المستتر الذي حرّك العديد من المبادرات الداعية لتمكينها، مؤكدةً على أن ثقة الدولة كانت حاضرة دائماً في مختلف المراحل المفصلية في مسيرتها، بدءاً من قرار تعليم الفتيات الذي واجه معارضة شديدة من فئات في المجتمع، وانتهاءاً بقرار تعيين ثلاثين امرأة في مجلس الشورى. مواقع قيادية وذكرت "د.حنان الأحمدي" أن قيادة المملكة امتلكت منذ تأسيسها تلك الرؤية الحكيمة للمرأة كعضو بارز في المشهد العام، انطلاقاً من وعي وثقة بأن المرأة إذا توفر لها التأهيل المناسب فهي جديرة بالمساهمة الفاعلة في الشأن العام، مضيفةً أنه في مراحل مختلفة اتخاذ قرارات استباقية تنم عن ثقة الدولة في المرأة، من أبرزها تعيينها في مواقع قيادية عديدة، وتوفير فرص أوسع لها في مجالات العمل المختلفة كالطب والمحاماة والهندسة، وابتعاث أعداد كبيرة من الشابات ضمن برنامج خادم الحرمين وغيرها، وهذا يجعلنا نتطلع إلى إسهامات أوسع للمرأة تجسيداً لهذه الثقة، مؤملةً أن تتسع دائرة مشاركتها كماً ونوعاً، لتكون عنصراً فاعلاً في مختلف مواقع صنع القرار، متطلعةً إلى المزيد من المبادرات الهادفة لتمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في مختلف مناحي الحياة في المجتمع. امتنان وفخر وبيّنت "د.حنان الأحمدي" أنه في ذكرى اليوم الوطني تشعر بالامتنان والفخر برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الواعية والمستنيرة للمرأة، التي أحدثت نقلة نوعية في مكانة المرأة ودورها في الشأن العام، بل واستبقت جميع التوقعات، هذه الثقة التي منحها مليكنا الغالي للنساء هي تاج على رؤوسنا، نعتز بها، ونضعها نصب أعيننا، داعين المولى عز وجل أن يجعلنا عند حسن ظن ولاة أمورنا ومجتمعنا، وأن يمكننا من خدمة وطننا الحبيب بما يحبه ويرضاه. انحصرت أعمال المرأة قديماً في أعمال المنزل مشاركة فاعلة للمرأة في مجلس الشورى