منذ أن بدأ تطبيق اليوم الوطني كعطلة وطنية فقد بدا للمتابعين أن هناك علاقة وثيقة بين المناسبة، وبين الوعي المجتمعي والتي بدأت تتشكل في الذاكرة الشعبية من خلال الذكرى السنوية لليوم الوطني والتي تتكرر سنويا، وأصبح الوطن جزءا من التفكير الشعبي حيث عززت هذه المناسبة تراكم الوعي بيوم الوطن وأصبح جميع الافراد يرتبطون بهذه الذكرى بشكل سنوى وبطريقة تنمو وتتطور عاما بعد عام. عند الحديث عن اليوم الوطني في المجتمع لا يمكننا اغفال المرحلة المهمة ما بين بداية الثمانينيات الميلادية وحتى بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فقد شهدت هذه المرحلة تغييبا قسريا لمفهوم الاحتفال باليوم الوطني حيث عجزت الافكار التراثية والفكرية عن الوصول الى فهم آليات الاستقلال التي تتمتع بها المناسبات الدينية وبين المناسبات الاجتماعية لذلك لا يمكننا اغفال تلك المرحلة التي صادرت بها المظاهر الصحوية فكرة الاحتفال باليوم الوطني. خلال الثلاثة عقود الماضية تمكنت ظواهر الصحوة من محاصرة الوعي المجتمعي في الكثير من القضايا الاجتماعية ومنها الرفض الدائم لفكرة اليوم الوطني ولعل اكثر ما عانى منه المجتمع خلال هذه الفترة هو إسباغ فكرة الحلال والحرام المطلقين على ممارسات ليس لها علاقة مباشرة في الاداء العقدي للأفراد وهذا يعكس عجزا حقيقيا عن فهم متغيرات الحياة التي اصبحت تجبرنا وتفرض نفسها بشكل مؤثر في الحياة الاجتماعية. إذن اليوم الوطني والاحتفال به مناسبة تعرضت للكثير من المقاومة وعندما تدخل المجتمع لصالح الوطن مارس الشباب في البدايات الاولى للاحتفال باليوم الوطني اشكالا من السلوك التي جيرت بشكل سلبي مع ان كل ما قيل عنه انه سلوك سلبي من جانب الشباب هو في الحقيقة رد فعل محتمل للمظاهر الاجتماعية المتسلطة والتي استخدمت القيم التراثية والدينية في المجتمع من اجل فرض سيطرتها دون مبررات مفهومة للمجتمع. اليوم وبعد عدة سنوات من الاحتفال المتكرر بمناسبة اليوم الوطني نجد ان المجتمع بدأ يتجاوز مرحلة التردد في فهم المصطلح الحقيقي والفكرة الرئيسة من الاحتفال باليوم الوطني واخذ الشباب يتجاوز ازمة رد الفعل التي كان يطلقها ضد المتشددين والمتطرفين في الفهم التراثي الى مرحلة الاستقرار في فهم مدلول الوطنية والمواطنة. المجتمع لازال بحاجة الى فك الكثير من القيود المفتعلة التي تحيط به لكي يعود الى طبيعته وتجاوز الافكار التقليدية السلبية الخارجة عن مسار القيم الاصيلة وهذا ليس يعني إبادتها بل العكس المطلوب هو تجديدها وفق منظور متطور وقراءة جديدة للخطاب الديني. نظرية التجديد في الفكري الاجتماعي يمكن فهمها ببساطة فهي تشبه كثيرا تلك التعديلات والتطورات التي حصلت على صناعة السيارات منذ ان بدأت قبل قرون ولكم ان تتصوروا لو بقي العالم يستخدم ذات السيارة التي صنعت في منتصف القرن الثامن عشر...!، ولكن الذي حدث هو كم من التغيير والتحديث ومع كل هذا بقيت الاسس والأركان التي تدخل في صناعة السيارات فمثلا لا توجد سيارة بدون محرك ولكن محرك اليوم ليس كمحرك الماضي. الفكرة النهائية ان الوعي المجتمعي إما ان يدخل في مسار متغيرات الحياة بشكل متطور ومدروس او يدخل في مسار فوضوي وهذا ما يفسر لنا تلك الازمات التي نعاني منها من علاقة المجتمع بمظاهر التشدد والتطرف التي تمارس ضده في الاحتفال باليوم الوطني او غيره من المناسبات التي لا تشكل في الحقيقة خطرا على القيم التراثية كما يعتقد الكثيرين. إن الكثير من مظاهر التطرف والتشدد في قياس القضايا الاجتماعية المستحدثة تعاني من ضعف فكري وتعجز عن الاجابة عن الكثير من الاسئلة المباشرة مثل (لماذا، وكيف، وأين) ولأنها غير قادرة على مواجهة الاسئلة الصعبة فهي تختفي وبسرعة خلف الحكم المباشر والقاطع غير القابل للمناقشة بحرمة القضايا دون تفسيرات دقيقه او بعسف ممنهج للأدلة. اليوم الوطني خلال السنوات الماضية في المجتمع مثال كبير على قدرة المجتمع على تجاوز وتخطي المراحل بطرق انسيابية واليوم يمارس المجتمع انفتاحاً على فكرة اليوم الوطني بطريقة مثيرة بل جاذبة حتى اصبح اليوم الوطني مناسبة يتم انتظارها لتحقيق عدة اهداف اجتماعية فاليوم الوطني ليس مناسبة للتعبد الاجتماعي بل هو مناسبة وطنية تؤصل العلاقة بين الفرد والوطن عبر عدة اشكال احتفالية. اقل ما يمكن ان يقال عن المجتمع السعودي بعد ان وجد نفسه يمارس حب وطنه بالطرق العالمية التي تمارسها الشعوب في كل دول العالم حيث لا يوجد دولة في العالم اليوم لا تحتفل بيومها الوطني. المجتمع اليوم يعي معنى اللحمة الوطنية والعلاقة التاريخية المباشرة مع المؤسسة السياسية بل إن المجتمع السعودي الكريم اثبت خلال الثلاث سنوات الماضية وخلال مرحلة الثورات العربية انه مجتمع متماسك ومتجانس ومتلاحم مع قيادته السياسية بشكل أفشل كل من كانوا يعتقدون بأن المجتمع السعودي هش في لحمته السياسية وهذا يدل على أن البناء السياسي والقيادة تمارس مهامّها السياسية من اجل الوطن وأفراده منذ توحيد الوطن على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله. اليوم وبعد هذه التجربة التي مرت بها الشعوب العربية وما تعرض له الكثير منها من اضطرابات أثبتت ان المجتمع السعودي يستحق ان يمارس الاحتفال بيومه الوطني بكل فخر واعتزاز ولكن على الجانب الاخر يجب على المجتمع بمؤسساته السياسية والاجتماعية حماية هذا المجتمع ممن يستخدمون التراث والقيم بطرق متطرفة ومتسلطة للسيطرة على المجتمع. اليوم نحتفل بهذا الوطن ونفخر بقائده خادم الحرمين الشريفين هذا الانسان الذي نعتبره الاب الرحيم والقائد المحنك الذي لا يمكن أن يختلف على حبه وتقديره اثنان في هذا الوطن فالجميع يرونه بذات الدرجة من الحب والولاء له. خادم الحرمين الشريفيين حفظه الله صاحب تجربة سياسية واستراتيجية مميزة جعلت منه بحارا ماهرا في خضم الاحداث الدولية والمحلية والداخلية منذ توليه الحكم في العام الفين وخمسة.. ولعل أمنيتي الكبرى ان أتمكن من رصد مسيرة خادم الحرمين السياسية في تحليل فكري واستراتيجي اضعه في كتاب يوثق هذه المسيرة..