ان صدور الامر الملكي الكريم رقم (أ / 65 وتاريخ 13 / 4 / 1432ه) بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لهو اعتراف من اعلى سلطة في بلدنا الكريم بوجود الفساد وانتشاره وانه اصبح مشكلة وظاهرة وقد يكون مؤسسيا ومنظما وهذا في حد ذاته اولى خطوات العلاج لأنه اعتراف بان المرض ينخر في عظم الاقتصاد ونزاهة بعض المواطنين من المسؤولين وقيض لعلاج ذلك الداء(نزاهة) في اسم بني على مثالية العمل وما ينبغي ان يكون عليه من النزاهة وهي عكس الفساد، وبدأت مشكورة خطواتها في تأسيس نظامها ووضع الاساليب والاجراءات الخاصة بها والتي بموجبها تستطيع دراسة الوضع بكل المصالح الحكومية وشبه الحكومية وما يمكنها من تنفيذ الامر السامي الكريم من محاسبة كان من كان، وصاحب ذلك زخم اعلامي في نظري انه لم يكن موفقا لان المواطن اعتقد ان مع نزاهة عصا موسى وستعرف بالفساد ربما قبل ان يحصل لان الصورة رسمت على انها كذلك، وعشنا مع هذا الامل المثالي حتى ايقنا اما ان الامر اكبر من الهيئة او انها عاجزة على ان تضع يدها على الداء وتشخص الدواء حتى في ظل مطالعتنا باستمرار بالقسم الذي يؤديه بعض منسوبيها امام رئيس ونوابه. ولن اتجنى في الحكم اذا قلت ان المواطن محبط مما تطالعنا به الهيئة في مقبوضاتها او حتى في تهمها وقد يكون لحداثة الهيئة دور في ذلك او ربما لاعتمادها على خبرات تقاعدت او قاربت من التقاعد وهم بلا شك من اهل الخبرات لكن عجلة الفساد وتنظيمه اسرع من حركتهم هذا بالإضافة الى العمل البيروقراطي الذي امضوا فيه اعمارهم وهو عمل بطيء في الاصل فكيف سيتكيفون من عمل حصيلته عند اهله ربما اسرع من التفكير فيه من منسوبي هيئتنا والانطلاق للوقوف عليه خاصة وان بعض الفساد يلبس بالمثالية فان وقفت عليه نزاهة فسوف تشيد به وهذا كما سبق ذكره ان الفساد اصبح منهجاً مؤسسياً منظماً يتوارثه الاجيال ممن لا يرون انهم سيسألون عن الامانة التي حملوها وانهم سيقفون يوم القيامة ويحاسبون عن اعمارهم واعمالهم واموالهم كما رَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ". وهو موقف لو استشعره كل موظف صغيراً او كبيراً لخشي الله في الغيب اكثر مما يخشاه في الشهادة. ولا شك ان القضاء على الفساد لن يكون في يوم وليلة او ربما لن يتم بالكلية ولكن "مالا يدرك كله لا يترك جله " ولذا فان الضرورة تحتم على الهيئة ان تمشي في العديد من الاتجاهات بالإضافة الى ما تمشي فيه الان من الرقابة والدراسة والتحقيق والمتابعة واستقبال البلاغات والتحقق من صحتها ووضع الاولويات للوقوف عليها ناهيك عن تحليلها لمعرفة مصداقيتها ومدى اهميتها وربما ان علاجها بالاستفسار الكتابي مباشرة من الجهة المتهمة في ذلك وقد يرتدع من في قلبه مرض اذا اشعر بالمشكلة ولعل التمادي في الفساد يقف او يقل عند شعوره بان فساده قد وصل للهيئة المعنية بمكافحته، ولكنني ارى المزيد من التركيز على جانبين مهمين احدهما: - النشر التوعوي بالفساد وعقوبته في الدنيا والآخرة واحكامه واسبابه ودوافعه وخطورته على الفرد والمجتمع والتعاون بين الجميع لمكافحته وهو جهد تقوم به الهيئة ولكنه لا يكفي، وقد صدر عنها سبع نشرات احدها خطبة جمعة في المسجد الحرام والاخرى محاضرة لاحد العلماء وثالث يرصد الرسوم الكاريكاتورية التي تتعرض لأشكال الفساد واصنافه والبقيه نشرات تعريفية صغيرة وتجدها ملقاة في اماكن غير مهمة في بعض الدوائر الحكومية او غرف الانتظار ليقرأها المراجع الذي يعرف الفساد ويتمنى علاجه وازالته، في حين ان المطلوب ان يعرفها ويؤمن بها الموظف الذي وضعت من اجله المنشورات، وهذا لا يكفي بدون شك لان النشر قليل والمادة قليلة ايضاً والافضل ان يكون هناك ورش عمل ملزمة لجميع الموظفين في المشاركة فيها، وربما ان دراسة ذلك مع الجامعات سيحقق نتائج افضل لكي نضمن وصول المعلومة لجميع الموظفين وكأننا نعيد تأهيل الاذهان بالجملة عن هذا المرض الخطير. وستكون مكافحة الفساد منهجاً تعليمياً اذا اشركنا فيه جهات تعليمية وتربوية. - وجوب ربط صدور قرار التعيين للموظف الجديد او قرار الترقية لموظف مستحق لمرتبة اعلى بالحصول على دورة ادارية في مكافحة الفساد تضع مادتها الهيئة بالاشتراك مع معهد الادارة العامة حتى نضمن اننا قد حصنّّا النشء الجديد عن الفساد وآثاره واصنافه وطرقه المعتادة وكذلك عززنا الثقة في الموظفين جميعاً الى انهم شركاء في مكافحة هذا الداء كي يكون لدينا خلال سنوات ليست كثيرة اجهزة ادارية شريفه ان لم تكافح الفساد فلن تكون فاسدة وستلفظ علاقاتهم ومجتمعاتهم كل من تخول له نفسه العبث باقتصاد البلد ومصالح المواطنين. وختاماً... ان الجميع شركاء في مكافحة الفساد وهم جميعاً مطالبون بالنزاهة لان النظرة في صلاح الامر هي نظرة عامة وليست خاصة فاذا كان الخير يخص فان الشر يعم واثار الفساد حتى ولو كانت من موظف واحد فان اثرها السلبي سيكون على مجتمع بأسره ممن لهم مساس بهذا الشخص وأدائه للعمل وسيكون له معاونون ومساندون وربما مدافعون وهنا يستشري الفساد وتكبر دائرته، وكما ان النزاهة هي امانة على من اقسم عليها فهي امانة علينا في التعاون معهم للقضاء عليه وهذا ما نعاهد الله به ولن نخون الوطن من اجل السكوت على فساد فيه. وعلى مزيد من خطوات النزاهة نلتقي.