يخالجك وأنت تمشي في شوارع مدينة برشلونة الأسبانية وترى أعمال عبقري الفن المعماري أنتوني غاودي المتناثرة هنا وهناك بأنه لم يعش عمرا طبيعيا كباقي البشر، فما انتجه من أعمال خالدة تحتاج لعقود طويلة لإنجازها خصوصا أنه كان يعمل في نهايات العقد التاسع عشر مفتقرا لكثير من المعدات وآلات الحفر والرفع التي ننعم بها الان. إن كنت ترى أن في هذا الكلام شيئاً من المبالغة فأبحث في غوغل عن La Sagrada Familia أو العائلة المقدسة لترى أن تحفة معمارية كهذه تتطلب عشرات السنين من الخيال الواسع والتخطيط والتنفيذ وهو ما يحدث فعليا، فقد أسسها غاودي قبل 130 عاما ولن ينتهي العمل فيها قبل عام 2026 أي بعد مئة عام من وفاة مؤسسها. غاودي هو مهندس معماري ولد في برشلونة 1852 وترك في كل جزء من أجزائها بصمة، فالمباني التي قام بتصميمها بتفاصيلها السريالية الجميلة تجعلها متفردة عن أي مبنى يجاورها. يبدو لك المبنى وكأنه أحد قصور قصص الأطفال الخيالية المصنوعة من الصلصال. فانحناءاته التي استلهمها من الطبيعة وأشكال الأشجار وتطعيمه بقطع الخزف والزجاج المصفوفة بعناية واحترافية يجعل تصميمه متفردا بشكل مكشوف لا يحتاج حتى للوحة تقول لك إن "غاودي كان هنا". غاودي ومع أن أعمال انتوني جميعها فاتنة وباهية الجمال ك "كاسا باتيوه" و"بارك قويل" وغيرها إلا أن العمل الذي يحبس نفسك وأنت تراه أول مره هو لاسغرادا فاميليا أو العائلة المقدسة فكل شبر تراه في هذا المبنى يحمل طابعا غرائبيا فريدا، إذ تحكي الجهة الشرقية ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام والغربية تحكي وفاته كما تضم الجدران الخارجية عددا من التماثيل التي تصور لحظات في حياة المسيح عليه السلام من وجهة نظر الديانة الكاثوليكية التي كان غاودي يعتنقها بإيمان كبير. يعد هذا العمل غير المكتمل حتى الآن أحد أكثر مناطق برشلونه جذبا اذ يؤمه مايقارب المليون سائح سنويا لتأمل اللمسات المعمارية التي تركها غاودي عليه، ويسعى زائرو المبنى لدخوله وهو الأمر الذي يكلفهم ما يقارب الثلاث ساعات من الانتظار في طابور طويل جدا يقضونها بحبور كبير لمجرد رؤية التصاميم من الداخل وهو أمر بالفعل يستحق الانتظار كما يعلق الخارجون منه. أعمال انتوني غاودي المعمارية هي خليط من الجنون والعبقرية والإبداع المتجاوز لعصره إلى الحد الذي جعل مدير مدرسة الهندسة المعمارية في برشلونة أليس روغنت يقول عندما سلمه شهادته: "لقد أعطينا هذا اللقب الأكاديمي إما لأحمق أو لعبقري، سيظهر الزمن ذلك!