ظل مهرجان جرش الأردني في جانبه الثقافي يشكل علامة ثقافية لها إيقاعها الخاص في العاصمة الأردنية عمان في كل عام لا بل في أكثر من عاصمة عربية، وقد أستطاعت فعاليات جرش الشعرية أن تراكم خبرات عبر أكثر من عقدين إلى درجة التي صار فيها الشعر في جرش سنوياً يرسم مستوى الإقبال على قصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر أو القصيدة العمودية، ولن نبالغ إن قلنا بأن فعاليات جرش كانت بمثابة دعامة حقيقية لقصيدة النثر وتسويقها جماهيريا. لكن التداعيات التي رافقت فعاليات جرش الثقافية لهذا العام، والتي اختتمت مساء الخميس الفائت بدت وكأنها ترسم تراجعات كثيرة، قد يكون لها الأثر الكبير في مستوى المشاركة فيه على المستويين الأردني والعربي مما قد يعني البدء في تكفينه. وقد كان التراجع الأول في مستوى الثقافة المرافقة لمهرجان جرش لهذا العام هو إقدام الجهة المشرفة على المهرجان بإلغاء الحلقة النقدية التي كانت تقام في كل عام، وهي بالمناسبة كانت تضفي على فعاليات المهرجان تلك اللمسة التي تعطي الفعاليات جدية الحفر والإنجاز الثقافيين، وذلك من خلال مستوى الانتقاء الأنيق لعنوان المحور النقدي لهذه الجلسة أو تلك، أو من خلال الرموز النقدية العربية التي كانت تشارك في هذه الحلقة. أما التراجع الثاني فقد تمثل في إرتباكات عديدة واجهها برنامج الأمسيات الشعرية لهذا العام ومن أهمها أمسية الافتتاح والتي عادة ما يفتتحها أحد الرموز الشعرية المهمة عربيا أمثال محمود درويش أو أدونيس. وفي هذا الخصوص كانت قد أعلنت إدارة المهرجان أن الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم هو من سيفتتح أمسية المهرجان لكن إدارة المهرجان أعلنت عن تأجيل حضور الشاعر نجم بسبب عارض صحي موضحة أنه سوف يشارك في أمسية الاختتام، لكن الشاعر نجم لم يحضر للمشاركة حتى في أمسية الاختتام. من جانب آخر فقد عانت فعليات المهرجان الشعرية من إرباكات برغم حضور بعض الأسماء الشعرية المهمة عربيا أمثال الشاعر العماني سيف الرحبي والشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني والاردني أمجد ناصر ووليد الشيخ والمتوكل طه من فلسطين وآمال موسى من تونس وهالا محمد من سوريا إضافة للشاعرة الإيطالية لوجياسورينتينو من إيطاليا ومتين فندقجي من تركيا ودانييل لفير من فرنسا، وقد تمثلت هذه المعاناة بغياب جمهور الشعر عن هذه الأمسيات إلى الدرجة التي عندما حضر الشعراء إلى إحدى أمسياتهم في لم يجدوا في القاعة أحداً ما اضطرهم إلى الاكتفاء بحضورهم والقراءة لأنفسهم. أما الإرتباك الحقيقي لأمسيات جرش الشعرية فقد تمثل في دعوة الشاعر العراقي علي الشلاة الذي قام أكثر من ثلاثين مثقفا أردنيا بالتوقيع على عريضة لاستبعاده من المشاركة بالمهرجان على خلفية هجومه على الأردن في إحدى الفضائيات لكن إدارة المهرجان أصرت على مشاركته، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير هو ماقام به الشاعر الأردني خالد محادين حينما بدأ في احدى الأمسيات بقراءة قصيدة بعنوان« برقية إلى صدام حسين» مما دفع بعض الحضور من الشعراء العراقيين والعرب إلى الإنسحاب من القاعة إحتجاجا على هذه القصيدة، وقد أثار هذا الخروج الاحتجاجي للشعراء لغطاً تخوينياً بين الحضور واتهامات بالعمالة لأمريكا. مجمل هذه الإرباكات للجهة المشرفة على فعاليات جرش الشعرية قد تجعل إدارة جرش بمجملها تعيد النظر في برنامج جرش الثقافي، أو الغاء هذه الفعالية وبذلك يكونون قد وأدوا ظاهرة ظلت تميز هذا المهرجان في كل عام.