المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    خطة لاستحداث 16 ألف وحدة سكنية جديدة خلال عام    66.6% من منشآت النقل البري تعمل في البضائع والبريد    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    جهود ثلاثية ل«دعم قضية فلسطين».. و«حل الدولتين» السبيل الأوحد لتحقيق السلام    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من رئيس القمر المتحدة    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    رينارد يتحدث للإعلام اليوم.. المنتخب الوطني يكثف تحضيراته لمواجهة أستراليا    منتخب الدراجات يواصل تدريباته في الباحة    ختام بطولة آسيا للشباب والناشئين للترايثلون    برئاسة نائب أمير منطقة مكة المكرمة..الفريق اليحيى يفتتح المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة وندوة المجتمع والأمن    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    السعودية تتصدر المؤشر الإحصائي    تخريج (259) طالبًا وطالبة.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    أسبوع معارض الطيران    السعودية وقضايا العرب والمسلمين !    عن الإسرائيليين المناهضين لإسرائيل..!    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    استئصال القولون السيني لمريضة    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    جمعية «عطاءات وارفة» لذوي الإعاقة البصرية وجمعية الأطفال ذوي الإعاقة يوقعان اتفاقية تطويرية    الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية تواصل فعالياتها بمحافظة الأحساء    «حرس الحدود» بعسير ينقذ مواطناً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    فريق التمريض بمستشفى د. سليمان فقيه يحصل على اعتماد (ماغنت) الأمريكي    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    احذر.. بعد العاشرة ليلاً تحدث الجلطات    «البحر الأحمر» يكشف عن أفلام «السينما العائلية» في دورته للعام 2024    رئيس الحكومة المغربية يشدد على ضرورة الوقف الدائم لإطلاق النار    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالمة والفيلسوفة (هيباتيا) كنموذج لوحشية التعصب الديني..!

مما يثبته تاريخ الاجتماع البشري أن التعصب الديني، هو وقبيله التعصب المذهبي، إذا باضا وفرخا في مجتمع ما، فإنه لا يلبث أن ينفلت من عقاله ليضع الجميع تحت عقابيله التي لا تبقي ولا تذر.
ومما استفاض من أخبار الملل والنحل أن المتعصبين لها كانوا مرتهنين إلى أدبياتها ومقاصدهالا ينفكون عنها حين الاستشكال مع رؤى ومذاهب خصومهم.
كان الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز( 1588 1679م) يبرر لتنظيره للملكية المطلقة، بأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. ولربما جاز لنا أن نزعم أن الذئبية تجلت أشد ما يكون التجلي في التاريخ الصراعي الديني والمذهبي بين أهل الملل والنحل والمذاهب.
الدين نزل رحمة للعالمين، لكن التعصب الناتج من القراءات التأويلية المغرضة، حمله ليكون شعارا لذئبية الإنسان تجاه أخيه الإنسان، ولجعله عرضة لغرائزه المنفلتة من عقالاتها .
والقراءات غير الراشدة، والمستبطنة للتأويلات المغرضة لما يخص العلاقة بين الناس وربهم، أشد فتنة من القتل. وإذْ تقاتل أهل الأديان المختلفة، فلقد قاتل أهل الدين الواحد بعضهم بعضا على تأويله، ربما بأشد مما تقاتل عليه أهل الأديان فيما بينهم.
والراصد لتاريخ التعصب الديني سيجد أن ضحاياه أو جلهم على الأقل، لا يقعون عادة في مرمى نار التعصب، فيفقدون حيواتهم، أو جزءا منها، إلا بعد تحريض من رجال الدين الذين يؤججون عاطفة العامة، فيؤلبونها ضد من استهدفوهم، فلا يكاد يفرغ رجل الدين من خطبته/تحريضه، إلا وتندفع الجموع الهادرة إلى الضحية لتمزقها إربا إربا، وهي راضية هانئة قانعة بأنها تنفذ إرادة الرب، كما أوهمها بذلك رجال الدين!
ضحايا التعصب الديني والمذهبي كثيرون وقصصهم تملأ الأسفار، وهم موزعون على كافة الملل والنحل تقريبا.
ولو أخذنا نتفاً من تلك القصص، لاحتجنا إلى أيام وليال وقرطاس وأحبار كثيرة، لكنني رأيت اليوم أن آتيَ على قصة إحدى ضحاياه، ممن لم يمنع مضطهديها ضعفُها ورقتُها كونها أنثى، من أن يسحلوها في شوارع صخرية خشنة وهي عارية، ثم يرموها طعمة للنيران. والتهمة التي سيقت بسببها، وهي ذات التهمة التي سيقت لسلفها ولخلفها من بعد: المروق من "الدين"، والركون إلى أعدائه.
كانت العالمة والفيلسوفة: هيباتيا( 370 415م)، تعيش في الإسكندرية، حين كانت أعني الاسكندرية موئلا لحرية دينية قل مثيلها. فقد كان لساكنيها الحق كل الحق في أن يتعايشوا مع أديانهم وعقائدهم المختلفة والمتعددة ويؤدوا طقوسها، شرط عدم فرضها على الآخرين، أو منع أولئك الآخرين من ممارسة أديانهم وطقوسهم. كان ذلك قبل أن تطأها جحافل الديانة المسيحية التي تحولت حينها إلى مذاهب يكفر بعضها بعضا، ويلعن بعضها بعضا. لم تكد المسيحية تستوطن الإسكندرية حتى أحالت تعدديتها الدينية التي كانت تتميز بها إلى آحادية، ليست دينية فحسب، بل ومذهبية فرضتْ على سكانها مذهبا مسيحيا واحدا من بين مذاهب مسيحية عديدة.
ذات يوم اعتلى بابا الاسكندرية: كيرلس عمود الدين(380 444م) منبر كنيسة الإسكندرية، فصاح بالمصلين أن اخضدوا شوكة الهراطقة والضالين الذي يريدون أن يصدوا الناس عن صحيح الدين. وكان مما قاله، كما روى ذلك الدكتور: يوسف زيدان في روايته المشهورة(عزازيل):"يا أبناء الله، يا أحباء يسوع الحي، إن مدينكم هذه هي مدينة الرب العظمى، فيها استقر مرقس الرسول، وعلى أرضها عاش الآباء، وسالت دماء الشهداء، وقامت دعائم الديانة.
ولقد طهرناها من اليهود، أعاننا الرب على طردهم، وتطهير مدينته منهم. ولكن (أذيال) الوثنيين الأنجاس(قارن مع عبارات: أذناب اليهود والنصارى، والتغريبيين: الشعار الذي يُرفع الآن في وجه المخالفين!)، ما تزال تثير غبار الفتن في ديارنا. إنهم يعيثون من حولنا فسادا وهرطقة(=المصطلح المسيحي لمقولة:البدعة)، يخوضون في أسرار كنيستنا مستهزئين، ويسخرون مما لا يعرفون، ليشوهوا دينكم القويم، (قارن مع العبارة الدارجة: إنكم تسخرون من الدين وأهله).
إن الرب يا أهل الإيمان لن يرضى بذلك أبدا ، ولسوف يحبط مساعيهم الدنيئة، ولسوف يبدد أحلامهم المريضة، بأيديكم العظمى، بأيديكم أنتم أهل الحق. طهروا يا أبناء الرب أرضكم من دنس أهل الأوثان، اقطعوا ألسنة الناطقين بالشر، ألقوهم مع معاصيهم في البحر، اغسلوا الآثام الجسيمة، واعلموا أن المسيح يعنينا نحن أبناءه في كل زمان لمّا قال:(ما جئت لألقي سلاما، بل سيفا".
لكأني وأنا اقرأ هذه الخطبة التحريضية للبابا: كيرلس ، أستمع إلى ابن لادن أو الظواهري، أو أحد المتطرفين المحرضين هنا أو هناك! نعم إن التطرف ملة واحدة.
هاجت جموع العامة، بعد انتهاء البابا من خطبته التحريضية، وماجت: وبدأت تردد شعارا مرعبا هو: "باسم الإله الحي، سنهدم بيت الأوثان، ونبني بيتا جديدا للرب. بعون السماء سوف نطهر أرض الرب من أعوان الشيطان(= الذين وصمهم البابا بأنهم أعداء المسيح ، والذين يسعون إلى تشويه الدين القويم)". عميت العقول ، كما يقول:زيدان ، وعمت القلوبَ فوضى منذرة بحادث جسيم. الجموع كانت تهتف وهي تغادر الكنيسة: بعون الرب سنخلص مدينة الرب من الأوثان والوثنيين! وبينما كانت الغوغاء تجوب الشوارع بحثا عن الهراطقة، صاح أحدهم فجأة: "ها هي الكافرة،(= يقصد العالمة هيباتيا)، ركبتْ عربتها، وبلا حراس". انطلقت الجموع نحوها بقيادة المحتسب: (بطرس) وهم يرددون:جئناك يا عاهرة، يا عدوة الرب(قارن مع الألفاظ التي يطلقها المتشددون حاليا ضد أي امرأة تفكر بشكل مختلف، إذ لا يتورعون عن وصفها ب"العاهرة"). كانت هيباتيا ، ومعنى اسمها: السامية، تركب عربة يجرها حصانان، ويقود العربة سائق خاص بها. ما أن شاهد سائقها الجموع مندفعة نحو العربة، حتى ترك القيادة وولى هاربا لا يلوي على شيء. أنزل المحتسبون هيباتيا من العربة وطرحوها أرضا فانفلت شعرها ، عندئذ لوى (المحتسب: بطرس!) خصلات الشعر حول معصمه بقوة فتأوهت وصاحت من الألم، وهو يردد: باسم الرب سوف نطهر أرض الرب!. سحبها بطرس إلى وسط الشارع، ومن حوله الجموع تهتف وتهلل وتكبر، حاولت هيابتيا أن تقوم، فرفسها أحدهم في جنبها فتكومت ولم تقو على الصراخ. جذبها بطرس، (وهو بالمناسبة قارئ الإنجيل في القداسات الكنسية آنذاك!)، جذبة قوية انتزع معها خصلات من شعرها، فأمسك بما تبقى من شعرها، وبدأ يجرها وسط الشارع، وجند"الرب" يهللون ويكبرون على وقع جره لذبيحته! كانت المسكينة تستغيث بالجموع التي في الشارع لمساعدتها، ولكن أيا منه لا يستطيع أن يفعل لها شيئا، ولو حاول لاتهموه بأنه يدافع عن الكفار، فهو إذاً كافر حلال الدم! وها هي إحدى النساء تندفع بلا حساب لتدافع عن هيباتيا ، فماذا تتوقعون أن يفعل أولئك الهمج المتوحشون؟ لقد ضربها أحدهم على رأسها بخشبة بأطرافها مسامير، فترنحت وسقطت مضرجة بدمائها الغزيرة وماتت من ساعتها.
كان العوام يركلون هيباتيا مع كل جانب، بينما كان قائد المحتسبين:بطرس يجرها نحو البحر لتنفيذ وصية البابا، وكان الجميع يتحلق حولها لينال شرف نهشها، كما تجتمع الفرائس حول طرائدها!
أخذ بطرس استراحة قصيرة فاستغلها المحتسبون ليمسك كل من قدر منهم بعضو من أعضائها محاولا نزعه بكل قوة ووحشية! عروها من جميع ملابسها حتى غدت كومة لحم بين أيديهم، لفوا حبلا خشنا حول معصمها ثم راحوا يجرونها وهي معلقة في معصمها، جروها على شارع مرصوف ببلاطات حجرية متجاورة، حوافها حادة جدا، إذا جُرَّ عليها أي شيء مزقته مهما كان صلبا. وهكذا(سحلوا) هيباتيا على تلك الأحجار حتى تسحج جلدها وتقرح لحمها. ولم يكتفوا بذلك ، بل أخذ العامة المحتسبون يقشرون جلدها بأصداف البحر، على وقع صراخها الذي ملأ فضاء مدينة الرب! وبعد أن قشروا جلدها كاملا،جروها فألقوها فوق كومة من الخشب ، ثم أشعلوا النار فيها حتى أصبحت رمادا!
وبعد، فهكذا يصنع التعصب الديني. إنه يحول المتعصب إلى سادي يتلذذ بتعذيب مخالفه في الدين والعقيدة، بأقسى وأبشع وأشنع أساليب التعذيب.
وإننا لما نزل نتابع فصولا من قصص هيباتيا كلما تقدم بنا الزمن دون أي اختلافات، اللهم إلا في أدوات التعذيب والسحل التي تتطور مع الزمن. ولقد رسم القرآن الكريم طريقا لقمع هذا التعصب، ووأد التوحش والذئبية في تكوين الإنسان، حين قرر أنه"لا إكراه في الدين"، ولكن القرون المتطاولة، تصد الإنسان عن سواء السبيل، فتقصيه رغم أنفه في زاوية الإكراه والإقصاء، والأطر لمخالفه على ما لم يعقد عليه قلبه، في مجافاة لصريح القرآن. وهكذا يطلع قرن الشيطان، فيصبح الجميع تحت مقصلة التعصب المقيت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.