الحمد لله على قضائه وقدره، والصلاة والسلام على خير خلقه ورسله، الذي قال له ربه في أفضل كتبه: {إنك ميت وإنهم ميتون}. لقد فجعنا بنبأ وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله رب العالمين، ورفع مقامه في عليين، وألحقه بزمرة الأخيار الصالحين، وليس لنا إلا أن نقول كما أمر المولى في كتابه المبين: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} ونردد ما كان يقوله سيد الخلق، وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم: «إن لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار». «إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على فراقك يا خادم الحرمين لمحزونون». لقد رحل عن عالمنا الملك المغوار، وخلف وراءه إنجازات تذكر في سائر الأعصار، وتردد اسمه في الأمصار، وتخلد ذكره في الأقطار، انظر إلى حرم الله ذي التوسعة التي حيرت الأبصار، وأدهشت الأنظار، وصار بيت الله الحرام يستوعب مئات الألوف من الحجاج والمعتمرين والزوار، في منظر مهيب تخشع له قلوب الأخيار، ويعظم فيه الملك الجبار، وتؤدى فيه شعائر الإسلام بيسر دون إعسار، وانسياب دون انتظار، أليست هذه مكرمات للملك تذكر باستمرار، ويرجى له بها علو المنزلة عند الملك الجبار. رحمك الله يا ناشر خير كتاب، في أتقن ضبط لا يعتريه ارتياب، وأجمل طبع نال كل إعجاب، ووزعته في ربوع البلاد، ونشرته بين أوساط العباد، فهم يتلون كلام الرحمن، عند الملك الديان. وسعت المشاعر، فأحبتك المشاعر، ومدحك بحق كل شاعر، وذكرك بخير كل ناثر، وخلفت بعدك عالي المآثر. آثارك في مزدلفة وعرفات، وأحواض الرمي والجمرات، بادية للأعين المبصرات، ظاهرة غير خفيات، وهي - بإذن الله - أعمال شاهدات، لك بالخير عند رب البريات. أحببتنا وأحببناك، وعايشتنا وألفناك، وعلمتنا فشكرناك، وقدتنا فسمعناك، ووجهتنا فأطعناك، وواسيتنا فحمدناك، وفارقتنا فبكيناك، وبالخير ذكرناك، وشهدنا دفنك بعد الممات، وعلى السنة قبرناك، وفي اللحد أدخلناك، ودعونا أن يثبتك الله عند سؤال الملاك، واستغفرنا لك وما نسيناك فرحماك ربنا رحماك، وعفوك إلهنا ورضاك، افسح قبر عبدك ومولاك، الذي خدم كتابك وحرميك، وأدخله الجنة يوم يلقاك. نم قريراً يا خادم الحرمين، فقد خلفك أخوك بخير وأتزر معتزاً بلقبك خادم الحرمين، وعاهد بالسير على دربك دون ريب أو مين، ومحكم مثلك شرع الله في الثقلين وساع لمواصلة ما بدأت دون كلال، وغاد فيما أسست دون ملال. ثم أبشر بهذا التماسك والتلاحم، والتضافر والتلاؤم، الذي ظهر بين أهلك وذويك، وأقاربك ومحبيك، على مثل الدرب الذي كانوا عليه في أيامك، والاتحاد الذي شهدوه في زمانك. فرحمك الله رحمة واسعة، وأدخلك فسيح جناته، وجعلك من خلفك خير خلف لخير سلف.