شاهدنا قبل أيام المقطع الذي تضطرب فيه الأيدي داخل جامعٍ من الجوامع. نشبت المعركة بسبب تصرف غير مسؤول ومسيّس ومدجّن من قبل الخطيب الذي دعا على ساسةٍ بمصر بل واتهمهم بذممهم وبأعراضهم. المواقف التي تلت الخطبة متوقعة طبعاً ذلك أن السياسة حين تدخل في الشعائر تؤجج الأحقاد. الخطب التي تلقى بالجوامع ليست مقالات، والخطبة ليست هاشتاقاً يشارك فيه الخطيب برأيه السياسي كما أنها ليست عموداً صحافياً، بل هي خطبة للمسلمين جميعاً والخطيب عيّن لإرشاد المسلمين بالأحكام والآداب والأخلاق، وكلما ارتبطت الخطبة بالسياسة زاغت عن مقصدها وأصبح ضررها أكثر من نفعها. الخطبة موعظة وخلق وأدب وسمت، وليست طيشاً وحماساً. الخطبة شعيرة. نايف السبيعي وهو أحد الحاضرين للخطبة، قال لجريدة "الوطن": "إن الخطبة تضمنت دعاء على بشار الأسد، بالإضافة إلى السيسي، بعد ذلك خرج اثنان من الجنسية المصرية لم يعجبهما المشهد بدون افتعال أية مشاكل، وبعدها قام شخص مصري وصعّد المشكلة وحينها حصل العراك"، مضيفاً أنه لا يؤيد ما قاله الخطيب، إذ إنه كان من الواجب عليه عدم التدخل في الأمور السياسية من ناحية، وأن الدعاء على (السيسي) غير مقبول، على اعتبار أن المصريين مختلفون في هذا الموضوع، عكس بشار".!!! هذه ملفات معقدة والخوض بها أمام الناس المختلفين طبيعةً حول الموضوعات هو الخطأ بعينه. كان الخطباء الأوائل يعرفون ماذا يخطبون عنه. أتساءل مع العزيز فهد عامر الأحمدي عن سبب عدم جمع خطب الرسول عليه السلام جميعها ووضعها بين دفتي كتاب لتكون مرجعاً للخطباء أو ليخطب بها للناس فهي أحكم من الاستعجال الذي يجري في الجوامع. لنقرأ خطبة النبي في حجة الوداع ببلاغتها وعظمتها كانت بياناً للبشرية جمعاء كانت دعوةً للتآخي ونبذ الظلم وتحريم الأعراض والاهتمام بالمرأة ونبذ الكذب وقول الزور والشهادات الباطلة. هذه هي الخطب الرصينة. كذلك خطب الأئمة الحكماء القدامى الذين خلدهم التاريخ بحكمتهم واختيارهم للموضوعات القيمة والمؤثرة والتي تشغف القلوب وتسحر الألباب وتزيد الإنسان علماً وفهماً. بآخر السطر، آمل من المختصين الوقوف ضد تسييس المنابر. فهذه خطوة أولى لحظر الانفلات الأهوج الذي يحدث بعد الخطب. نموذج الاضطراب الذي حدث مؤخراً ينذر بتفشي الظاهرة، فهل من منقذٍ للمنابر من المتحمسين؟!