أتيحت لنا هذا الصيف فرصة الاستمتاع ببعض مواقع بلادنا السياحية ولو بشكل غير مقصود، فهذه الإجازة كانت فترة استجمام من غير ارتحال يحول الفسحة إلى واجبات ودرس وتحضير واستعراض مع الأطفال حتى نحقق الهدف منها. فكان هذا الصيف حرّا طليقا، إلى حدّ ما. وكل ما كان هو أن تخللته زيارات عائلية إلى الخبر حيث أختي وإلى مكة حيث أهلي وإلى جدة حيث أخي وإلى الطائف حيث مصطاف والديّ وأعمامي بالرضاع، ثم الرياض حيث أقطن. يأتي مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة الذي تقوم عليه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض منذ عام 1418 ضمن خطتها الاستراتيجية لتطوير الرياض، كعملية إنقاذ لوادي حنيفة لإعادته إلى بيئته الطبيعية بعد عقود من سوء الاستخدام والاستغلال فكان أن استعرضنا طريق الدمام-الرياض السريع بكل مواقفه ومحطاته "السياحية" حتى ما كان منها حديث عهد ومتطور "نظرياً". وفي الرياض حرصنا على أن نرى ما تم في مشروع تأهيل وادي حنيفة البيئي، من الدرعية شمال غرب الرياض وحتى وادي نمار جنوبها. وفي مكةالمكرمة سحنا في مواقع السيرة النبوية والسيرة الإبراهيمية من غار ثور وحراء، إلى جبل عرفات وخندمة، وعند حدود الحرم وصلنا إلى مسجد بيعة الرضوان في الحديبية ومسجد بيعة العقبة في منى، ومررنا سريعاً بمسجد الإجابة ومسجد "الراجحي" كذلك. وفي الطائف كانت لنا وقفات في وسط البلد عند برحة القزاز وبرحة عبدالله بن العباس في ليلة العيد، وخارجها في طريق الرياض كانت رحلتنا إلى عكاظ وانتهينا بحديقة الحيوان في الرُّدَّف، وفي جدة كانت هناك رحلة لم تنته إلى أمنا حواء علّها تُستدرك قريباً. اليوم سوف أتناول آخر محطة وقفنا عندها منذ يومين وكانت من نصيب وادي نمار الذي كان أحد مرابع طفولة زوجي ومتنفس أهالي الرياض القديمة حيث يرتاده الأهالي في غالب أيام نهايات الأسبوع كلما سالت مياهه كثيراً أو قليلاً. ويعتبر وادي نمار أحد روافد وادي حنيفة الذي يمتد لمسافة 120 كم من شمال شرق الرياض إلى جنوب غربه، ويضم عدداً من الروافد والأودية مثل العيينة، العمارية، صفار، وبير، المهدية، لبن، نمار، لحا والأوسط التي تنحدر غرباً، وأودية الأيسن والبطحاء التي تنحدر شرقاً. ويعرف وادي حنيفة أيضاً بالعارض كما ورد في قصائد الأعشى، الشاعر الجاهلي المنفوحي، نسبة إلى منفوحة أحد أحياء الرياض القديمة. ويتصل بالوادي عشرات الشعاب والروافد والسيول المصروفة من 4000 كم مربع، جاعلة منها منطقة خصبة بآبار وعيون جارية كانت ما أهّل حجر اليمامة ومن ثم الرياض لتكون موقع استقرار بشري قديم. ويأتي مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة الذي تقوم عليه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض منذ عام 1418 ضمن خطتها الاستراتيجية لتطوير الرياض، كعملية إنقاذ لوادي حنيفة لإعادته إلى بيئته الطبيعية بعد عقود من سوء الاستخدام والاستغلال الذي جعله مكباً للنفايات ومخلفات مواد البناء ومقراً لمصانع غير صديقة للبيئة ووجهة للاعتداءات العقارية عليه بالردم والدفن والبناء في شعابه دون مراعاة لحرمة الوادي، متسبباً في اختلال النظام المائي وتكوّن المياه الآسنة وتناقص النشاط الزراعي وتعطل كل وظائف الوادي الطبيعية والبيئية والجمالية من كونه مجرى لتصريف المياه السطحية ومقراً لمكونات بيئية ضرورية للمحافظة على مياه المدينة وبيئتها التي نتنفس هواءها. وقد تم تلافي هذه المخاطر بنجاح، محولين الوادي إلى متنزه وطني بطول 80 كم تقريباً يمتد من شمال طريق العمّارية وحتى الحاير جنوباً، ويضم 3 محميات و6 متنزهات وهي متنزه سد العلب، متنزه سد وادي حنيفة، متنزه السد الحجري، متنزه بحيرة المصانع ومتنزه بحيرة الجزعة، وأخيراً متنزه سد وادي نمار في حي لبن الذي افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز، رحمه الله، العام الماضي في 11/4/2012. وقد كلف حوالي 600 مليون ريال. ويمتد رصيف متنزه نمار، الذي يستحق أن يطلق عليه ما تعورف عليه حديثاً بكورنيش الرياض، على مسافة كيلومترين، مستثمراً السد الذي تم إنشاؤه في عهد الملك سعود بمساحة تبلغ 200 ألف متر مربع، ويصل عمقه إلى نحو 20 متراً، ثم خضع الوادي لعملية تأهيل واسعة لإعادة غطائه النباتي عبر غرس أكثر من 520 نخلة على امتداد رصيف المشاة، فيما غرست أكثر من 9500 شجيرة من مختلف الأصناف في بطن الوادي أخذت تؤتي ثمرها بتلطيف الجو وإعادة التكوين البيئي إلى السطح. وكانت مفاجأة جميلة أن نجد هذه المنطقة على أطراف الرياض وقد جرى تطويرها بهذا الشكل الذي يجعلك تعتقد أنك في مدينة أخرى، طرق مشاة حجرية مرصوفة بشكل يتبع النسق الجمالي للوادي وقد جُعل الحجر هو عنصرها الرئيس ورصيف كورنيشي واسع يمتد على طول مسافة الكيلومترين وقد جهز المنتزه بمواقع للجلوس مطلة على البحيرة، ومداخل لتنقل المتنزهين بين أطراف البحيرة والكورنيش، وكل المباني حجرية بإضاءة خافتة جميلة وأعمدة نور منحنية بهدوء ودورات مياه بنيت بعناية من الحجر والرخام والزجاج المثلج، وقد شُجرت كل الطريق الممتد لكيلومترين بشكل أنيق وليس بعيداً مواقف جانبية للسيارات جهزت أيضاً بشكل مناسب للسلامة ودون أن يخدش الإطار البيئي. ويرتفع جانبا الوادي في تكوينات صخرية جميلة منها مغارات احتلها بعض المتنزهين ليحصلوا على رؤية أفضل لمنظر الوادي الذي يمتلئ ماءَ وبعض البط وإذا اقتربت من الرصيف يمكنك مشاهدة السمك أو فقاعاتها وهي تتقافز تحت الماء. وقد عرفها الناس وامتلأت أوطارها بالمتنزهين وقد افترشوا سجاجيدهم وأحياناً كراسيهم وطاولات التنزه والأطفال بدراجاتهم والباعة المتجولون وقد أصبحوا غير متجولين بل أخذ كل واحد أو واحدة ركناً، أو بالأحرى شجرة ونشر عليها كراتينه وحافظات الطعام وسطول الماء المثلج المملوء بعلب العصيرات والمياه، وأخرى تنشر في أكوام أصنافاً من الحلويات والبسكويت والشوكولا على منصتها، وآخر نفخ زحليقة ورفع بقربها نطيطة يتقاطر عليها الأطفال، وثالث يؤجر الدراجات للأطفال وذلك الذي يبيع الذرة وآخر لا أدري ماذا يبيع. كلٌ وجد لنفسه سبيلاً ورزقاً وقد تلمسوا حاجة المتنزهين وما يكمل متعتهم. هذه المشاريع الجميلة بحاجة إلى تكاتف من جميع الأطراف لتستكمل دورها، بالطبع الطرف الآخر وهو المستخدم ممن يحتاجون إلى محافظة أفضل على هذه المكتسبات بالمحافظة على النظافة بشكل رئيس وعلى ما لا يخل بالتوازن البيئي. وهنا أنتقل إلى ملاحظاتي. المتنزه ما زال بحاجة إلى لوحات إرشادية تقود إلى مدخله، فمن طريق الملك فهد متجهين جنوباً لم نجد لوحة ثانية بعد أول لوحة تقول وادي حنيفة ونخرج منها إلى الدائري الجنوبي بينما نرى خط وادي حنيفة تحتنا ولا توصلنا إليه الطرق الخلفية لحي الدريهمية حتى كدنا نعكس السير في آخر محاولة للالتفاف على الطريق التحتاني حتى وصلنا إليه، ويبدو أن له طرقاً ومداخل أخرى لم تثبتها لوحات الطريق الذي كررناه أكثر من مرة. ويبدو أن المخططين غفلوا عن تجهيز أماكن خاصة للباعة المتجولين الذين هم واقع لا يمكن تجنبه، سواء باعتبار هذه المتنزهات فرصة استثمارية للمشاريع الصغيرة جداً، وباعتبار احتياج المتنزهين لهذا النوع من الخدمات، شاي، قهوة، ماء.. إلخ. وفي ظل غياب وجود أماكن مخصصة ومجهزة، نشاهد هذا البائع الذي سبق ولبق عند واجهة المتنزه ونشر كراتينه ودافوره وسطوله عند الحجر المكعب التذكاري الذي كشف الأمير سطام عنه الستار لدى افتتاح المتنزه، بل وجلب أنبوبة غاز غطاها بقماش ربما لئلا يخدش الذوق العام، وضعها في حوض هذا الحجر الذي يتوسط المتنزه وواجهته، بل كدت أتعثر في براد الشاي الموضوع على موقد بقرب أنبوبة الغاز وأنا لا أنظر موطئ قدمي. بعد أن نصحته بالابتعاد عن هذا المكان الذي يشوه المنظر لم ير بأساً فيما يقوم به ويقول هذا أفضل هو الذي في الواجهة ليراني الجميع. ملاحظة أخرى، تتصل ببعض التعليمات التي من الضروري وضعها بالإضافة إلى الموجود، مثل التحذير من استخدام المفرقعات والألعاب النارية، فالبارحة فقط وقع حريق في استراحة في نمار بسبب الألعاب النارية، وما شاهدته كان مشروعاً لحادث مماثل، فمجموعة من الأطفال كانوا يوقدون في إحدى هذه الطراطيع في وسط المتنزه وأمام أهاليهم الذين كانوا خالي البال من خطورتها عليهم وعلى المارين لكنهم بحاجة للوحة تحذر وتتوعد بدفع مخالفة مثلاً. دورات المياه الحجرية الجميلة التي تتمتع بوحدة لذوي الاحتياجات الخاصة، هي بحاجة إلى مزيد من التفكير والتجهيز عند تصميمها مثل العلاقات سواء للنساء أو الرجال، داخل وخارج دورات المياه، أو المرايات، أو موزعات المناديل الورقية الاقتصادية واستثمار حقيقي في نوعية السباكة المستخدمة فيها لئلا تتلف بعد عام واحد من افتتاحها، كما عليهم الاستثمار في آلية تجنب التعويم بالماء الذي يؤول إليه حال دورات المياه لدينا، فضلاً عن ضرورة وجود مكان للتغيير للأطفال مجهز بما تحتاج إليه الوالدة من طاولة تغيير، صابون، مناديل، وسلة مهملات. سلال المهملات قليلة لاسيما في الواجهة المركزية للمتنزه وتختفي على رصيف الشط نفسه ما يترك المجال لكثير من سوء الاستخدام المؤسفة على سطح الماء. ويمكن توزيع سلال مهملات حجرية في تلك الأماكن نظراً لعدم وجود أعمدة نور تُعلق عليها. مع ملاحظة أن تعليق السلال على أعمدة النور يجعلها بعيدة عن متناول الأطفال وقدرتهم على الوصول إليها. وأخيراً فإن المتنزه بحاجة إلى تجهيز أماكن خاصة بالشواء الذي يحظى بشعبية كبيرة من قبل المتنزهين، فتكون في أماكن مردودة ومزودة بما يحتاجون إليه وتحمي بقية المتنزهين من الدخان المتصاعد أو الروائح غير المستحبة، أو المستحبة. وقبل كل ذلك، بقية مدن المملكة بحاجة لتكرار هذه التجربة فيها والمحافظة على بيئاتها الطبيعية وكذلك التاريخية والأثرية.