يعتبر العماد ميشال عون أن الدّور السّعودي في لبنان كان دائماً إيجابياً، وأنّ العلاقات اللبنانيّة السّعوديّة كانت ممتازة منذ استقلال لبنان، حيث لم يشهد البلدان يوماً أزمةً في علاقتهما، ويرى أن الموقف السّعودي في لبنان كان عاطفياً بقدر ما هو عقلاني. يعترف أن اتّفاق الطّائف الذي تمّ برعاية سعوديّة كان الآليّة التي أدّت إلى وقف الحرب اللبنانيّة، ويرى أن جهود خادم الحرمين الشّريفين المغفور له الملك فهد لم تذهب سدىً بعدم تطبيق الاتفاق بسبب تمسّك اللبنانيين به، ويسعى إلى إقامة علاقة مع العائلة المالكة في المستقبل لأنّ التّعارف يساهم في تقريب وجهات النّظر. ٭ ماذا تقول في رحيل خادم الحرمين الشّريفين الملك فهد رحمه الله؟ دائماً نحن كمفكّرين نرى أنّ الدنيا لها بداية ونهاية فهذا الأمر محتوم، لا أحد يخلد في هذه الدّنيا، طبعا المجتمع يتأثّر كثيراً بغياب الرجالات العظام، يعتاد على نمط معيّن يفتقده عند فقدان الشّخص لكن في الوقت نفسه الحياة لا تتوقّف بل تستمر من خلال أشخاص آخرين يحملون معهم تجربة الذين سبقوهم. بالطّبع الملك عبد الله يحمل اليوم تجربة الملك فهد رحمه الله وسيغنيها من تجربته الشّخصيّة، وهذا التطوّر يتم مع تتابع الأجيال وتراكم التجارب لمختلف الأجيال. ٭ تاريخياً كيف تقرأ العلاقة اللبنانيّة السعوديّة، هل كانت دائماً لصالح لبنان؟ دائماً كانت العلاقة السعوديّة اللبنانيّة صحيّة، على الأقل في مرحلة حياتي وبداية وعيي من مرحلة الاستقلال حيث كنت أبلغ الثّامنة من عمري، ونشأت في بيت مسيّس ولم أذكر يوماً أن السّياسة بين بلدينا مرّت بمراحل سيّئة، باستثناء المرحلة التي تلت العام 1958 حيث طغت سّياسة أخرى على السّياسة اللبنانيّة، لكن العلاقات مع المملكة كانت دائماً ممتازة، ربّما مرّت بمرحلة ركود في فترة حكم عبد النّاصر حيث كان ثمّة طغيان للسّياسة المصريّة على لبنان. ٭ الملك كان فاعلا إقليمياً مهمّاً في منطقة الشّرق الأوسط، فهل أجادت برأيك المملكة التعامل مع القضيّة اللبنانيّة؟ أعتقد أنّ الملك فهد ساهم من خلال اتفاق الطّائف الشّهير الذي قيل اننا ضدّه في حين أنّنا كنّا نطالب بضمانات لتنفيذه، أعتقد أنّه ساهم مساهمة كبيرة في إعادة الهدوء إلى لبنان. ٭ برأيك هل ضاعت جهود الملك الرّاحل سدىً بعدم تطبيق اتفاق الطّائف، خصوصاً أنّه كان ألزم المجتمعين آنذاك بعدم مغادرة المملكة من دون الاتفاق على حل؟ لا لم تضع لغاية الآن طالما أنّ اللبنانيين ملتزمون بالاتفاق ولا يزال يعتبر مرجعاً لحل بعض المعضلات أو لطرح الحل لبعض المعضلات، المهم أن يلتزم اللبنانيون بهذا الاتفاق بعد أن تحرّروا من الضّغط السّوري الذي حال دون اتفاق الطائف، أن يحترموا الاتفاق فيما بينهم. ٭ برأيك الدّور السّوري الذي كان يتّصف بالهيمنة، هل حدّ من الدّور السّعودي في لبنان، بمعنى آخر هل منع السّعوديّة من لعب دورها التّاريخي في لبنان؟ لم يحد من دورها، لرّبما وبسبب الدّور الذي أعطي لسوريا في لبنان، لعبت المملكة دوراً إيجابياً وجمعت بعض القوى كي تحد من الهيمنة السّوريّة، على العكس لا نستطيع أن نقول انّ سوريا منعت المملكة لأنّ الدّور كان معطىً لسوريا وهي تجاوزته، السّعوديّون لديهم أسلوب صامت عندما يعالجون قضيّةً ما، لربما هم لعبوا دوراً كبيراً ودعموا قوىً حتّى تبقى واقفة على رجليها في لبنان حتّى تمكنّا من تجاوز هذه المرحلة الصّعبة. ٭ من المعروف أنّ المملكة لعبت دوراً مهماً في مساعدة لبنان اقتصادياً سواء من خلال فتحها فرص عمل أمام اللبنانيين، أو من خلال الودائع المصرفيّة، فكيف تقيّم هذا الدّور؟ أعتقد أن المملكة ساعدت لبنان بصورة دائمة، وكانت تفتح أبوابها ولا زالت للأيدي العاملة اللبنانيّة، هم كانوا بحاجة لهذه العمالة واللبنانيّون كانوا مستعدّين لتقديم خدماتهم، وبالفعل كانت مصدر رزق ورخاء بالنّسبة إلى اللبنانيين، أما بالنسبة إلى المساعدات الماديّة، فقد دعمت المملكة السّياسة الماليّة للبنان، وأياً يكن حجم هذه المساعدات نحن نعتبرها مساعدة، لكن الخطأ الذي نستطيع التحدّث عنه في لبنان، هو أنّ السّياسات اللبنانيّة كانت سيّئة بحد ذاتها، فالمملكة تدعم الاقتصاد من خلال الودائع المصرفيّة، وعندما يكون لدينا خلل في السّائل النقدي تسارع المملكة إلى تأمين السّيولة من خلال وضعها أموال في مصرف لبنان، لكن السياسات النقديّة اللبنانيّة كانت قائمة على البذخ والهدر، كي لا أستخدم عبارات أقسى. ٭ كيف ترى الملك عبد الله كحاكم للمملكة في السّنوات المقبلة؟ لا شك أنّ الملك عبد الله تمرّس في السّنوات الماضية في الحكم لن نشهد تغييراً كبيراً، فسياسته ستكون استمراريّة لسياسة الملك فهد. ٭ زار الملك عبد الله لبنان ثلاث مرّات أطلق في إحداها مبادرة السّلام الشّهيرة، فكيف تقرأ هذه المبادرة؟ المبادرة أطلقت في مؤتمر القمّة، أعتقد أنّ موقف المملكة من لبنان هو أكثر من مجرّد موقف عقلاني فهو موقف عاطفي أيضاً، بسبب الارتباط الشديد بين الشّعبين والصّداقات التي نشأت بسبب العمالة والسّياحة، علماً أنّ السّعوديين لا يأتون إلى لبنان كبلد سياحي فحسب، بل هم يأتون إليه كبلد صديق ومجتمع ليس بغريب عنهم. ٭ بعيد إغتيال الرّئيس الشّهيد رفيق الحريري طلبت المملكة من سوريا الانسحاب الفوري من لبنان تحت طائلة تدهور العلاقات السّعوديّة السّوريّة، فإلى أي مدى برأيك ساهمت المملكة في دفع سوريا إلى سحب قواتها من لبنان؟ بالطّبع هذا الضّغط أعطى دفعاً عربياً وكانت المملكة رائدة في هذا الشّأن مع الأردن وحصلت فيما بعد متابعة لهذه القضيّة من جامعة الدّول العربيّة، وجعلت من موقف مجلس الأمن موقفاً عربياً أيضاً، وهذا يخفّف الكثير من الاحتكاك ويساهم أكثر في الوحدة الوطنيّة. يحكى دائماً أنّ لبنان أصبح يدار من السّفارات الغربيّة في هذه المرحلة الانتقاليّة، فما هو الدّور الذي تلعبه المملكة في هذه المرحلة الدّقيقة التي لا تخلو من خطورة؟ أنا شخصياً موجود على الأراضي اللبنانيّة بشكل مستقل لا أتبع وصاية السّفارات ولا نصائحها اعتدت أن أناضل لفكرة معيّنة، لا أعرف إذا كان البعض يتبع أهواء السّفارات، على كل حال البعض لا يخجل من هذا الأمر، بل يزور علناً العواصم التي تعطي دعماً ومالاً وهذا مظهر من مظاهر الضّعف، أنا مثلاً وجّهت في عيد الاستقلال عام 2004 دعوة إلى السّياسيين اللبنانيين لعقد مؤتمر وطني لنؤمّن خروج سوري مشرّف لسوريا ونبّهنا إلى أنّه إذا ساءت الأحوال أنّهم سيتحمّلون النّتائج وحدهم، والمعارضة لم تسمع منّا في وضع برنامج ووصلنا إلى وضع غير طبيعي لأنّه لم يرتكز على تفاهم صحيح، بل اعتمدوا على رفض الاحتلال السّوري ولم يفكّروا في مرحلة البناء، وعندما وصلنا إلى هذه المرحلة وجدنا أنّ لكل منهم اتجاها وبينهم من يستطيع أن يتحمّل نصف مسؤوليّة فقط وهذه مشكلة كبيرة، لا نستطيع أن نقول ان السّفارات لم تساعد في إخراج السّوريين من لبنان، السّفارة السّعوديّة في بيروت تنصح وليس في نصائحها ما يضر، تنصحنا بالتفاهم والتوحّد والالتفات إلى الأولويّات مثل الوضع الاقتصادي الدّقيق، وهذه النّصائح لا تفرض علينا، فنحن نستطيع أن نأخذ بها كما نستطيع أن نرفضها، وليس كما كان الأمر أثناء العهد السّوري الذي كان يملي أوامره. ٭ تعامل المملكة مع لبنان المستقل هو غير تعاملها مع لبنان الذي كان واقعاً تحت الوصاية السّوريّة؟ بالتأكيد، ففسحة الحريّة أصبحت أكبر، وبيننا ثمّة تبادل في الأفكار، لكن المهم أن اللبنانيين يجب أن يكفّوا عن الشّعور بأنّهم في حاجة إلى من يأمرهم وأن يتصرّفوا من تلقاء أنفسهم. ٭ هل ثمّة مشروع لزيارة المملكة قريباً؟ نعم لم لا، يجب أن يكون الظّرف ملائماً للزّيارة وقد التقيت مؤخّراً بالسّفير السّعودي في لبنان، وتعارفنا وشعرت أنّي مرتاح لحديثه كما كان هو مرتاح لتبادل الأفكار معي، شعرنا أنّ لدينا وجهات نظر مشتركة بالنسبة الى المشكلة اللبنانيّة وطريقة حلّها.