قطار الراحلين لايتوقف هديره، وداعي الموت لا ينفك أسيره، يستوي أمام أنيابه الكبير والصغير، فلا يسلم منه ملك نافذ الامر، ولافقير خامل الذكر: ولايرق لذي ضعف وذي خور ولايحاذر بطش الفارس النجد يأتي الملوك ملوك الأرض مقتحماً ويخرج الشبل من عريسة الاسد وسحائب الأحزان عن سمائنا لاتنقشع، فهي إن غادرت بيتاً أظلت غيره، وما من دار ملئت أفراحاً إلا ستملأ أتراحاً، لان الله قد كتب الفناء على كل شىء، وجعل الموت حقاً واجباً على كل حي: هو الموت لو حابى امرءاً في حياته لكان لطه بالخلود محابيا فما من نفس إلا ستنقاد له إن عاجلاً أو آجلاِ حتى لايبقى إلا وجه الله الكريم :{كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} ، لكن الأحزان تعم أو تخص، فميت لاتدمع عليه سوى عين قرحى وحيدة، ولا تتفطر عليه إلا كبد حرى فريدة، وفقيد تتقرح جل العيون أسفاً على فراقه وتتفطر جل الأكباد حسرة على رحيله: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية موت نفس يموت لموتها بشر كثير في صباح يوم الاثنين 26/6/1426ه سرت همهمة، وتلتها غمغمة، والقلب يجأر : ( اللهم سلم سلم )، وماهي إلا برهة قصيرة من الزمن حتى تبدت حقيقة الأمر لذي عينين إذ نعى الناعي فهد الجزيرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، فمارت الارض بقوم هالهم وقع المصاب، وهملت عيون لشدة الاوصاب، واسترجعت قلوب ثكلى، إذ آمنت بأن هذا أمر الله الذي لا مدفع له، وحكمه الذي لا حيف فيه، فما لساخط فيه عتبى ولا راض منه منجى، وما قالوا إلا ما أمر به الله عند نزول القضاء وما أوصى به رسوله صلى الله عليه وسلم حين وقوع البلاء {إنا لله وإنا إليه راجعون}، وتذكروا أن المصاب- وإن كان جللاً- ليس له إلا الصبر والاحتساب، واستحضروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي، فإنها من أعظم المصائب): وفي موت خير الخلق أكبر أسوة تصبر أحرار النفوس وتنسيها وإلا فالمصيبة بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز جليلة، والخطب به فادح، لكن الله هو من أخذ بعد أن أعطى،وهو الذي يحكم ولا معقب لحكمه، فنحسب عنده جل جلاله فهد بن عبدالعزيز خادم بيته الحرام وراعي مسجد خليله محمد صلى الله عليه وسلم، وناشر كتاب ربه الكريم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفة المنزل من لدن الحكيم العليم، وحيث قال رسولنا صلى الله عليه وسلم :( المؤمنون شهود الله في الأرض) فإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبدالعزيز بأنه- وأنت أعلم بذلك منا- قد وسع الحرمين الشريفين توسعة يسرت على المسلمين التعبد فيهما، اللهم فتقبل تلك منه، وأعظم له بها الأجر. وإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبدالعزيز بأنه-وأنت أعلم بذلك منا- قد نشر كتابك الكريم في كل الدنيا حتى بلغ مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فتقبل ذلك منه، وأعظم له به الأجر. وإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبدالعزيز بأنه- وأنت أعلم بذلك منا- قد بنى مساجد ومراكز إسلامية في أماكن شتى من العالم ، اللهم فتقبل ذلك منه، وأعظم له به الاجر. وإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبدالعزيز بأنه- وأنت أعلم منا بذلك- قد كفل الأيتام، ورعى الأرامل، وأطعم الفقراء والمساكين، وأغاث الملهوفين، اللهم فتقبل ذلك منه، وأعظم له به الأجر. وإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبدالعزيز بأنه- وأنت أعلم بذلك منا- قد أطعم الطعام، وأجرى الماء، وسقى الحجيج، وفك الرقاب، اللهم فتقبل ذلك من، وأعظم له به الاجر. وإننا يا الله نعلم أنه لا ينفع عبدك فهد بن عبدالعزيز اليوم منا إلا الدعاء الصالح، فنرفع أكف الضراعة إليك- ونحن نشهد أن لا إله إلا أنت الواحد الفرد الصمد الذي خضعت لعظمته الرقاب- فنسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استغفرت به غفرت، أن ترحم خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبدالعزيز رحمة الأبرار، وأن تحط عنه ثقل الأوزار، وأن ترفع منزلته مع المصطفين الأخيار. اللهم ياخير من نزل به المؤملون، واستغنى بفضله المقلون، وولج في سعة رحمته المذنبون، إن لكل ضيف قرى ، وإن عبدك فهد بن عبدالعزيز ضيفك اليوم، وأنت أكرم الأكرمين، فاجعل قراه عفوك ورحمتك ورضوانك وجنتك ياأرحم الراحمين. اللهم ياخير من سئل، وياأكرم من بذل، جاز عبدك فهد بن عبدالعزيز بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً، وأبدله داراِ خيراً من داره، وأهلاِ خيراً من أهله. اللهم يامن بيده ملكوت السموات والارض احفظ بلادنا بحفظك، واكلأها بعين رعايتك، ووفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح أمرنا، ودلهم على الخير وأعنهم على فعله، وكن لهم معيناً ونصيراً لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك ورفعة شأن أوليائك وكبت أعدائك إنك سميع مجيب، والحمد لله على قضائك وقدرك. ٭ الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية