يحكي الفيلم البريطاني الدرامي الكوميديQuartet، والذي يخرجه داستن هوفمان كأول تجربة له في الإخراج، قصة بسيطة جداً وتقليدية فأثناء وجود ثلاثة أصدقاء مغني أوبرا قدامي في دار الموسيقيين المتقاعدين، ريج (قام بدوره توم كورتيني) وويلف (قام بدوره الكوميدي الأسكوتلندي الشهير بيلي كونولي)، و سيسي (قامت بدورها بولين كولينز)، يعلن عن وجود نزيل جديد قادم مهم. ويتضح أن النزيلة الجديدة ليست إلا النجمة الشهيرة جين هورتون (قامت بدورها الممثلة البريطانية الشهيرة ماجي سميث) زوجة ريج السابقة وزميلتهم التي كانوا معها قد غنوا أفضل أعمالهم وهو الرباعي في أوبرا Rigoletto الشهيرة لفيردي. الدار مهددة بالإغلاق لأسباب مالية والأمل الأخير في الإبقاء عليها هو الحفل الذي ستقيمه الدار في ذكرى فيردي. كل من هؤلاء الأربعة له طريقة خاصة في الحياة فويلف لا يكف عن التغزل بكل امرأة يمر من أمامها وريج يبدو شديد الحساسية والرقة وسيسي تعاني بين آن وآخر من بدايات خرف تنسيها حاضرها وتعود بها إلى سنوات بعيدة مضت وجين تتألم لكبرها في السن ولفقدها وهج النجومية والشهرة. في الدار يمارس كل الموسيقيين النزلاء أعمالهم السابقة من عزف وتدريس للموسيقى، فريج يعطي دروساً في الموسيقى لمجموعة من الشباب ويحاول أن يقرب لهم بين فن الموسيقى والراب. ويغضب حين يعلم بحلول جين نزيلة في دار الموسيقيين لأنه لا زال مجروحاً من خيانتها له. ثم يتقبل الأمر. ولكن سيي وويلف اللذين ينجحان في إقناع مخرج الحفل سيدريك ليفينجستون (قام بدوره مايكل جامبون)، بأن أداء الرباعي سينجح في لفت الأنظار وسيجذب جمهور أكبر للحفل وبالتالي سينجح في تغطية المتطلبات المالية التي ستكفل للدار الاستمرار، يجابهان بعد ذلك برفض ريج ثم برفض جين التي تصر أنها اعتزلت الغناء واتخذت قرارها بعدم الغناء مطلقاً مرة أخرى. يصور الفيلم عالما مثاليا للمكان الذي يحب أن يتقاعد فيه الموسيقيون، فنحن نراهم يعزفون ويعلمون ويغنون حتى وبعضهم ينسى كثيراً أو يتعرض لوعكات صحية وغيره. فالعالم الذي منحوه حياتهم يظل مرافقاً لهم ومعينا لهم على العيش حتى الرمق الأخير. والموسيقى موجودة في كل أنحار الدار. يتناول الفيلم ثيمة كبر السن وخاصة لمن كانوا نجوماً في الغناء والموسيقى وهو الأمر الذي طرح بشكل أكبر وأكثر عمقاً في تحفة هانيكيه "آمور". ولكن المختلف هنا هو الكبر والنجومية. فإن كان كبر السن مسألة يعاني منها الجميع فبالنسبة لمن كانوا يوماً نجوماً هو أمر أكثر حزناً. كما أن روح الفيلم المرحة جعلت من يشاهده لا يشعر بالحزن لهؤلاء بقدر ما يشعر بأنها دورة الحياة وجزء منه. وربما الثيمة التي تجعل الفيلم ممتعاً أكثر هو الجانب الموسيقي فيه. وخاصة محبي فن الأوبرا فهم موعودون في الفيلم بوصلات جميلة. ويمكن القول إن ما أعطى الفيلم شكلا مميزاً هو الجانب الموسيقي فيه. قصة الفيلم مأخوذة من مسرحية بنفس الاسم كتبها كاتب النص نفسه رونالد هاروود بداية وعرضت لمدة سنة من 1999 إلى 2000 في مسارح الويست إند في لندن. وكان قد استوحى فيلمه من الفيلم الوثائقي الإيطالي، قبلة توسكا "Tosca"s kiss" وبالإيطالية يسمى "IIBacio di Tosca" والذي انتج عام (1984) ويحكي عن الحياة في دار مسنين لمغني الأوبرا المتقاعدين تسمى "Casa di Riposo per Musicisti" في ميلان، أسسها جوزيبي فيردي عام 1896م ويسجل الفيلم يوميات مغنية السوبرانو الإيطالية سارا سكوديري والمقيمين معها في الدار وكيف يتعايشون مع أدوارهم التي اشتهروا فيها ويعيدون تمثيلها. الجدير بالذكر أن ورونالد هاروود كاتب سيناريو رباعي قد رشح لجائزة أفضل نص مقتبس عن فيلم 'The Dresser"و فيلم"The Diving Bell and the Butterfly" وفاز بأوسكار أفضل نص عن فيلم "The Pianist". من مميزات الفيلم وجود ممثلين أبدعوا في الأداء من طراز ماجي سميث الحاصلة على 7 جوائز من الأكاديمية البريطانية وجائزتي أوسكار والعديد من الجوائز الأخرى إلى جانب الممثل السينمائي المسرحي توم كورتينيه وبولين كولينز التي اشتهرت كممثلة مسرح وسينما وتلفزيون وحازت على جائزة ليورانس أوليفير توني عن دورها في مسرحية شيرلي فالنتاين. كما رشحت عن نفس الدور في الفيلم المأخوذ عن المسرحية لجائزة الأكاديمية البريطانية والجولدن جلوب والأوسكار، إضافة إلى الكوميدي المخضرم بيلي كونيللي الذي أضاف وجوده طرافة وحيوية للفيلم، وتميز الأداء لا شك هو أمر يحسب لهوفمان المخرج. الفيلم ظريف وخفيف وممتع جداً موسيقيا ولكن قيمته الفنية تكمن في أنه يحمل تحية خاصة للفنانين الكبار وربما هوفمان في عمره ال78 يشعر أكثر من أي وقت مضى بأنهم يستحقون التقدير فإلى جانب النجوم الكبار الممثلين، استعان هوفمان بعدد كبير من العازفين الشهيرين والعازفات ومغنية الأوبرا الشهيرة جوينيث جونز لتقوم بدور آن لانجلي. وفي آخر الفيلم ذكر أسماء الموسيقيين والموسيقيات وصورهم السابقة عندما كانوا في شبابهم وأعمالهم الشهيرة. وهو بذلك يحيي موسيقاهم ويذكّر بها وبأعمالهم الفنية الجميلة.